التمكين الاقتصادي للنساء .. المرأة الفلسطينية نموذجاً

جنين - زمن FM

آية ابو علي-رغم ارتفاع نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة في فلسطين سنة 2022 لتصل إلى 19% بعدما كانت النسبة 17% سنة 2021، فإنها تبقى نسبة قليلة مقارنة بمشاركة الرجال ولا زالت الفجوة كبيرة بين الجنسين، إذ أن مشاركة الرجال في الحياة الإقتصادية تزيد حوالي 4 أضعاف عن مشاركة النساء. من هنا تأتي أهمية التمكين الإقتصادي للمرأة من خلال تشجيعها على الدخول في سوق العمل وإطلاق المبادرات الخاصة. 

توجد اليوم العديد من النماذج الريادية النسائية الناجحة في فلسطين والتي تؤكد على قدرة المرأة على تحدي الصعوبات التي تواجهها لتحقق أحلامها وإثبات ذاتها ككيان مستقل. وفي هذا المقال سنقدم  ثلاثة نماذج مبدعة في مجالات مختلفة.

سُهير برغل ومشروعها "مناحل الأندلس"

سهير برغل، فتاة عمرها 24 عاما درست الطب البيطري ثم قامت ببعث مشروع خاص بها في تربية النحل منذ عام 2010 في سهول مدينة جنين، حيث بدأت بخلية واحدة، حتى وصلت اليوم إلى 300 خلية.

" من المعروف عن النحل عمله دون تعب حتى يؤسس مستعمرته بشكل دقيق"، تقول سهير، " لذلك فأنا أعتبر نفسي مثله، بدأت بخلية واحدة وبعد جهد طويل، وصلت إلى ما أنا عليه الان ".

لا تُخفي برغل أن زوجها هو من أكبر الداعمين لها، "فهو من يمنحني القوة بالإضافة  للدعم العائلي والأصدقاء". وتعتبر أنه نتيجة لشغفها وتراكم الخبرة لديها استطاعت أن تجعل من مشروعها "مناحل الأندلس" مشروعا متميزا ومعروفا في فلسطين.

" مشروعي يهدف للتسويق للمُنتج المحلي بهدف المساعدة في تحقيق الإكتفاء الذاتي من العسل الفلسطيني"، هكذا تعتبر سهير مشروعها الذي تمكنت من خلاله من المشاركة في الكثير من المعارض المحلية والدولية للعسل في تونس وتركيا.

تُسوّق الشابة منتوجاتها أساسا من خلال موقعها وصفحتها على وسائل التواصل الإجتماعي، لكنها تستعد حاليا للتسويق في المحلات التجارية. وتحرص على تزيين منتجاتها وبيعها في طرود مميزة مع وضع بطاقات تعريف تفاعلية عليها.

تعمل سهير كثيرا مع المجتمع المدني حيث أن شركتها عضو في جمعية مربي النحل التعاونية في جنين، والتي تُشرف بشكل مباشر على عمليات الإنتاج وجودة العسل. وتُبيّن أنها لم تحصل على أي دعم حكومي ولكنها حصلت على كثير من المشاريع من المؤسسات التي تُفضّل دعم المشاريع النسائية.

من جانبه، بيّن مسؤول التسويق والإنتاج والعضو في جمعية مربى النحل في منطقة جنين، ‏نور جبر أن هذه الجمعية هي جمعية تعاونية تجمع جميع مربى النحل في كل مناطق المدينة. وقد قامت بتوفير العديد من الوسائل والمستلزمات التي تُستخدم في تربية النحل، بالإضافة إلى دعم عملية تسويق المنتجات. ويضيف "هناك العديد من السيدات العضوات في الجمعية وكل واحدة منهن تملك مشروعها الخاص. وسهير تعمل على تسويق العسل بطريقتها الخاصة عبر فيديوهات ترويجية لمنتجاتها وقد قمنا بمساعدتها للحصول على مجموعة من المشاريع والمنح التي تخص النحل وتغليف العسل، كما أننا زودناها بالعديد من الاَلات والماكينات الخاصة". وإجمالا، يعتبر نور جبر أن تجربة العمل مع النحالات النساء " كانت رائعة وممتازة لأنهن أصبحن رياديات وأبدعن في تربية النحل، وفي طرق التعبئة والتغليف وتحويل المنتجات الخام إلى مواد جديدة قابلة للاستهلاك وساهمن في زيادة نسبة المبيعات".

نور شاهين ومشروعها "سروة" في فن التطريز اليدويّ




 

بعيدا عن تربية النحل، اختارت نور شاهين التي تبلغ من العمر 27 عاما أن تبعث مشروعها الخاص في مجال التطريز. فبعد أن درست الإقتصاد وتخرجت من الجامعة قبل ‏سنة ونصف تقريباً وبعد أن عملت في أكثر من مؤسسة، لم تجد فيها ما تبحث عنه لاثبات ذاتها، قررت أن تُطلق مشروعا مشتركا مع صديقتهاَ زينب العزة.

 " كانت الفكرة موجودة لدينا منذ فترة طويلة، وفي نهاية عام 2022 بدأنا في المشروع"، تقول نور التي بيّنت أن الهدف منه كان صنع لباس يومي للشباب يحتوي على تطريز فلسطيني. "من خلال هذه الفكرة، نسعى للحفاظ على التطريز الفلسطيني والترويج  له خصوصاً خارج فلسطين في محاولة لجعله براند عالمي".

أما بالنسبة لاسم المشروع "سروة"، تشرح نور أنه جاء من شجرة السرو و"السروة تكون موجودة في كل القطع والنقشات تقريباً وتكون التصاميم كلها مستوحاة بشكل عام من الطبيعة، كما أن الكثير من النقشات لها دلالات قديمة وقصص معينة، فمثلاً هناك نوع تطريز كانت تقوم به الأسيرات الفلسطينيات في السجون يعتمد تقنية خاصة حيث كن يستعملن الأسلاك الشائكة الموجودة حول السجن للتطريز لأن الأحتلال كان يمنع استعمال الإبر". 

 

شاركت نور وصديقتها في بازارات في الداخل المحتل وفي الضفة الغربية وفي بازار "سوق الحرجة" بمدينة رام لله. وكان دائما هدفهما هو تطوير التطريز وملائمته مع متطلبات الواقع الحالي، بالإضافة إلى نشر الوعي بتاريخه ومعانيه من خلال تفسير معاني كل نقشة وأصولها بما أن كل نقشة مرتبطة بقرية فلسطينية معينة. وفي هذا الصدد توضح شاهين " نحن نقوم  بتغيير الألوان فقط، كما أننا نعمل مع مجموعة من الخياطات الفلسطينيات ونحاول توفير فرص عمل لهن. 

 

منار شعبان صاحبة مشروع" بيت القرعيات"

 

على عكس سهير برغل ونور شاهين، لم يتسنى لمنار شعبان (44 عاما) أن تُكمل دراستها ولكن ذلك لم يمنعها من إطلاق مشروعها الخاص هي أيضا. 

 

تقول منار "تزوجت مبكّرا ولم يتسنى لي مواصلة دراستي وأنا اليوم أم لخمسة أبناء وأعيش في قرية الجلمة في قضاء جنين. في التسعينيات، عملت في مجال الزراعة وكنت من أوائل من دخلوا في مجال زرع نبات اليقطين في البيوت البلاستيكية وذلك بسبب حبي للأفكار الجديدة غير المألوفة والتميز بها. نجحت بهذا المجال وأصبح لدي مزرعتي الخاصة. "

 لتُحسّن مهاراتها في هذا المجال، تلقت منار تدريبا من المركز النسوي في الجلمة قبل أن تصبح رئيسته فيما بعد، ثم قامت بتأسيس جمعية نسوية وأصبحت رئيسة لها وحاولت من خلالها استقطاب مؤسسات ناشئة وتقديم تدريبات للنساء في عدة مجالات منها صنع المربى وأصبحت تُسوِّق ل14 سيدة. سامهت كذلك في تأسيس "التعاونية الحرفية للسيدات" في القرية وفي عدة لجان في بلدية مرج ابن عامر في جنين.  

اختارت منذ البداية التوجه نحو الزراعة الآمنة أي تلك التي تحافظ على البيئة وتقلل من استخدام المبيدات والأسمدة وأسمت مزرعتها "بيت القرعيات"، كما طوّرت فكرة جديدة لجلب الناس والترويج لمنتجاتها وذلك من خلال استضافة بعض العائلات والأشخاص  إلى المزرعة لكي يخوضوا تجربة القطاف.  

نشاطها وتفانيها جعلاها تحصد العديد من الجوائز على مستوى المحافظة وعلى المستوى الوطني، كما أنها كُرّمت العام الماضي كأفضل السيدات الرياديات في محافظة جنين عن طريق وزارة شؤون المرأة.

ومن جانبه، قال هلال نصار رئيس بلدية مرج ابن عامر: "أن البلدية بشكل عام تدعم المشاريع النسائية والشبابية بعدة طرق وتسعى للتعاون مع مؤسسات ومنظمات داعمة للحصول على تمويلات ومشاريع تستفيد منها فئات النساء والشباب. وبيّن كذلك أن المنح لا تُعطى بالضرورة للنساء مباشرة وإنما لمؤسسات أهلية مثل مركز نسوي الجلمة ومركز نسوي فقوعة ومركز نسوي بيت قاد التي تقوم بتنفيذ المشاريع ويكون للنساء داخلها الحق في الادارة والتصرف في الأمور المالية.

وبيّن نصار أيضا أن البلدية تساهم في تعزيز قدرات النساء من خلال  إعطائهن دورات في إدارة المشاريع وتمويلها.

من جهتها تؤكد نسرين الزر مديرة دائرة الجمعيات في وزارة شؤون المرأة " أن هناك العديد من النساء اللواتي عملن على مشاريع خاصة وقامت الوزارة بتقديم كل الدعم المادي والمعنوي اللازم لمشاريعهن لأن إنجازات المرأة الفلسطينية تصب جميعها في خدمة وحماية الهوية والوجود الفلسطيني وتعزز صمود المرأة الفلسطينية التي رغم كل التحديات لا تزال قادرة على المقاومة من خلال إطلاق المشاريع الريادية ."

وأضافت أن "وزارة شؤون المرأة تسعى دائماً لتعزيز قيم العدالة بين الجنسين، في محاولة لتمكين جميع النساء من خلال مكافحة الفقر وتعزيز المؤسسات المختلفة التي تُراعي احتياجات المرأة. ولكن في ظل عدوان الاحتلال المتواصل  الذي يفاقم من حالة البطالة والفقر بالتحديد في صفوف النساء، يبقى من واجبنا توفير المساعدات والموارد  لمساعدة وتحسين الوضع الاقتصادي للنساء".

وللتذكير يبلغ عدد الإناث في فلسطين 7 .2 مليون نسمة من مجموع السكان المقدر في منتصف 2023  أي ما نسبته 49%  وترأس النساء حوالي 12%من الأسر في فلسطين بواقع 12% بالضفة و11% بقطاع غزة .

وتساهم المرأة في دفع عجلة الاقتصاد الفلسطيني رغم كل التحديات والظروف الصعبة والتي من أكبرها وجود الاحتلال الصهيوني على الأراضي الفلسطينية الذي يعيق عملية التنمية الاقتصادية بشكل مستمر. ويعتبر القطاع الخاص المشغل الأكبر للنساء العاملات حيث بلغت نسبه العاملات فيه 66.3%.

 

تم إنتاج هذا التقرير ضمن برنامج القادرات بدعم من الوكالة الفرنسية لتنمية الإعلامCFI  وبتنفيذ من اذاعة نساء FM و حاضنة نساء الإعلامية. إن الآراء الواردة في هذا التقرير هي مسؤولية المنتجة، ولا تعبر عن آراء وموقف الوكالة الفرنسية لتنمية الإعلام CFI أو الجهات المانحة لها أو نساء إف إم/حاضنة نساء الإعلامية.