غزة.. الخصوصية تُسلب وتتحول إلى صراع بقاء قاسٍ للنساء

غزة- زمن FM-  نساء غزة يدفعن ثمنًا باهظًا لهذه الحرب المستمرة، حيث فقدت آلاف منهن أزواجهن وأبناءهن، وتحولن بين ليلة وضحاها إلى معيلات لأسر كبيرة في ظروف استثنائية قاسية، تفتقر لأبسط مقومات الأمن والرعاية الصحية وحتى الغذاء. 

ويعرض التقرير شهادات حية تجسد المأساة، منها شهادة سهام جرابعة من خان يونس، التي فقدت زوجها ومنزلها وتكافح يوميًا لإطعام أبنائها، إلى جانب نور عاشور التي فقدت ابنها البكر وأجهضت جنينها تحت وطأة الحزن والجوع والإرهاق النفسي.

النساء والأطفال في غزة.. حصيلة مهولة

كما أشار التقرير إلى أرقام صادمة، حيث تشكل النساء مع الأطفال ما نسبته 75% من ضحايا العدوان، إذ تجاوز عدد الشهداء أكثر من 64 ألفًا، بينهم ما يقارب 12 ألف امرأة، فيما تواجه أكثر من 60 ألف أرملة جديدة تحديات غير مسبوقة، إذ وجدن أنفسهن في موقع المسؤولية الكاملة عن أسرهن في ظل غياب مقومات الحياة الأساسية وانعدام الأمان.

من رعب القصف إلى "رعب الدورة الشهرية"

وإلى جانب الرعب المتمثل بخطر الموت بفعل القصف والتجويع، كشف التقرير عن "رعب آخر" يطرق أبواب مئات الآلاف من النساء والفتيات في القطاع شهريًا، وهو ما وصف بـ"رعب الدورة الشهرية"، في ظل غياب الفوط الصحية والمياه النظيفة والمراحيض الآمنة والملابس النظيفة.

 هذا الواقع المأساوي أجبر العديد من النساء والفتيات على ابتكار أساليب بدائية لتدبر أمورهن، باستخدام أقمشة ممزقة، وملابس قديمة، أو حتى قطع إسفنجية. 

وتتفاقم الأزمة مع ندرة المياه، إذ لا يمكن إعادة استخدام هذه المواد بأمان، ما يرفع بشكل كارثي احتمالات الإصابة بالتهابات وأمراض جلدية مرتبطة بالنظافة، فضلًا عن معاناة النزوح وانعدام الخصوصية.

وفي هذا السياق، أشار أحدث تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للسكان إلى أن قطاع غزة يحتاج إلى أكثر من 10 ملايين فوطة صحية شهريًا، في وقت أدت فيه ظروف الحصار إلى ارتفاع أسعارها إلى خمسة أضعاف، ما جعلها بعيدة المنال عن غالبية النساء.

الحوامل والمرضعات تحت نيران التجويع والتهميش

كما لفت التقرير إلى أن النساء الحوامل والمرضعات يُعدن من أكثر الفئات تضررًا من سياسات الاحتلال الصهيوني القائمة على التجويع الجماعي والتهجير القسري المتكرر والقيود المفروضة على الحصول على المساعدات المنقذة للحياة. 

وبحسب تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية في 18 أوت، فقد أظهرت نتائج فحص أجرته منظمة إنقاذ الطفل على 747 امرأة حاملًا ومرضعة في عياداتها خلال النصف الأول من جويلية 2025، أن 323 منهن – أي ما نسبته 43% – يعانين من سوء التغذية الحاد. 

ونقلت العفو الدولية شهادات لنساء حوامل ومرضعات تحدثن عن ندرة المستلزمات الأساسية لبقائهن على قيد الحياة، وعن قسوة العيش كأمهات جديدات أو حوامل في خيام مؤقتة تحت لهيب شمس الصيف، يكافحن يوميًا للحصول على الطعام، حليب الأطفال، والمياه النظيفة.

مليون امرأة وفتاة يواجهن مجاعة جماعية

وفي تقرير آخر، حذرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" – عبر منصتها على "إكس" بتاريخ 16 أوت 2025 – من أن مليون امرأة وفتاة في قطاع غزة يواجهن "مجاعة جماعية، فضلًا عن العنف والإساءة"، نتيجة الحصار وحرب الإبادة المستمرة.

 وأكدت الوكالة أن النساء والفتيات يضطررن إلى تبني استراتيجيات بقاء محفوفة بالمخاطر، مثل الخروج للبحث عن الطعام والماء، رغم تعرضهن لخطر القتل أو الإصابة في أي لحظة.

دمار هائل خلال أسبوع واحد

وفي موازاة هذه المعاناة، أدى عدوان الاحتلال الصهيوني المتواصل على مدينة غزة إلى دمار واسع النطاق في البنية التحتية والمناطق السكنية خلال أقل من أسبوع واحد فقط، يضاف إلى ما لحق بالمدينة من خراب منذ بدء حرب الإبادة.

 فقد أظهرت المعطيات تدمير 12 بناية سكنية يزيد عدد طوابقها عن 7 طوابق وتضم نحو 500 شقة سكنية، ما أدى إلى نزوح أكثر من 10 آلاف مواطن. 

كما قصف الاحتلال أكثر من 120 بناية تقل عن 7 طوابق (بمتوسط 3 طوابق)، ما تسبب في تشريد 7,200 مواطن إضافي.

 وتضررت أكثر من 500 بناية بشكل جزئي، حارمة نحو 30 ألف مواطن من مأواهم، فيما دُمّرت أكثر من 600 خيمة للنازحين وشُرّد ما لا يقل عن 6 آلاف مواطن، إضافة إلى تدمير 10 مدارس و5 مساجد بشكل كامل.

 وبذلك، فقد أكثر من 50 ألف مواطن مأواهم في أقل من أسبوع، في ظل كارثة إنسانية متفاقمة.

مجاعة الأطفال تتصاعد.. أرقام مرعبة

كما حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة من تفاقم معدلات سوء التغذية بين الأطفال بوتيرة مقلقة، إذ أظهرت بياناتها ارتفاع نسبة الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد إلى 13.5% بعد أن كانت 8.3%.

 وفي مدينة غزة وحدها – حيث تأكد حدوث المجاعة – ارتفعت النسبة إلى 19%. وقالت المديرة التنفيذية لليونيسف، كاثرين راسل، إن واحدًا من بين كل 5 أطفال في مدينة غزة يعاني من سوء تغذية حاد ويحتاج إلى دعم إنساني عاجل، لكن استمرار التصعيد العسكري الصهيوني أجبر نحو 10 مراكز تغذية على الإغلاق، مما ترك الأطفال في مواجهة الخطر المباشر.

ونقل التقرير عن وزيرة شؤون المرأة الفلسطينية، منى الخليلي، وصفها للمرحلة الراهنة بأنها الأصعب في تاريخ المرأة الفلسطينية، خاصة بعد التدمير الواسع للمنازل والمستشفيات والمدارس، والانهيار الكامل للمنظومة الصحية، وهو ما دفع خبراء أمميين إلى وصف ما يجري في غزة بأنه "إبادة طبية" ترتكبها يد الاحتلال الصهيوني وتستهدف المدنيين، وتزيد من هشاشة أوضاع النساء والأطفال.