بيروت- زمن FM- تأخذ المرأة الفلسطينية طابعًا مختلفًا عن القواعد والمعالم والجغرافيا وكل قوانين الأرض التي تخضع لها النساء دونها في مختلف بلدان العالم، فهي المرأة المختلفة، المرأة التي تبقى بتأهّبٍ دائم في جميع الحالات والمشاعر. هذه المرأة، كما دومًا، تدخل التاريخ من أوسع أبوابه، فلا تشبهها امرأة أخرى على وجه الأرض.
لقد مرّ ما يقارب ثمانية عقود من الاحتلال الصهيوني الغاشم لفلسطين، والذي سبقه أيضًا الاحتلال البريطاني، ذاك الذي سرق ولا يزال يسرق منّا حتى معالم وجوهنا. أما اللجوء فجعَلَنا في دوّامة أضغاث أحلام لا تنتهي، إذ عاشت النساء الفلسطينيات القهر والظلم والريبة والتحدّي. الاحتلال من جهة، واللجوء من جهة أخرى، كلاهما يفرضان قيودًا قاسية على الحياة: الاحتلال يتجه نحو الإبادة ونفي الذات وطمس الهوية، فيما يسرق اللجوء الأحلام والطموحات ويخلق إنسانًا يعيش في دوائر اللاحقوق واللااستقرار.
تقرير مختصر (2015 - 2025)
خلال العقد الأخير، تكثّفت سياسة القمع والقتل ضد النساء الفلسطينيات في الضفة الغربية:
- (2015 - 2019): سُجّلت عشرات الحالات لنساء قُتلن على الحواجز العسكرية، ويزعم الاحتلال أنهن حاولن طعن جنوده فقتلهنّ. من أبرز الأمثلة إعدام الشهيدة "هديل الهشلمون" عام 2015 في الخليل. تقارير حقوقية، مثل تقارير منظمة "بتسيلم"، وثّقت الاستخدام المفرط للقوة ضد النساء.
- (2020 - 2022): استمرّت القيود على الحركة، ومنعت نساء من الوصول إلى المستشفيات لتلقي العلاج أو أثناء الولادة، ما تسبب في وفيات مأساوية.
- (2023 - 2025): بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، شهدت الضفة الغربية تصعيدًا غير مسبوق: اقتحامات واسعة، قصف بالطائرات المسيّرة، عنف دموي من المستوطنين.. فارتقت نساء كثيرات في طولكرم وجنين والخليل، وبينهن امرأة حامل عام 2025. كما ارتفعت الاعتقالات بحق النساء، مع شهادات عن سوء معاملة جسيمة للأسيرات.
خلاصة التقرير
استشهدت، خلال هذه الفترة، عشرات النساء الفلسطينيات في الضفة الغربية، في أنماط متكررة: القتل على الحواجز، خلال المداهمات، على أيدي المستوطنين. إلى جانب ذلك، عانت النساء من الاعتقالات، والحرمان من الرعاية الصحية، والقيود القاسية على الحركة، ما جعل حياتهن معركة يومية من أجل البقاء.
المرأة الفلسطينية… أيقونة الخلود
وسط هذه الدوّامة المتوحّشة، لا تزال المرأة الفلسطينية قادرة على صناعة الحياة من رحم القهر، فقد خرجت نساء بلادي إلى النور، وحققن درجات عليا في العلم، وصِرن سيّدات لهن وجودهن وكلمتهن في المجتمع الفلسطيني المحتل.
فلسطينيات.. من الضفة الغربية إلى بيروت
التقيت في بيروت، منذ أيام ماضية قليلة، بنخبة من النساء الفلسطينيات القادمات من الضفة الغربية، جئن للمشاركة في مؤتمر "العمل الاجتماعي بين التطبيق والتناقض السياسي العربي" الذي نظّمته الرابطة الوطنية للعمل الاجتماعي في لبنان. جئن يحملن الوطن في عيونهن وكلماتهن، من بينهن: الدكتورة "سوسن قبابجة"، الدكتورة "حنان العملة"، الأستاذة "ليالي سوالمة"، والأستاذة "فاء فارس"، إلى جانب الدكتور "حسن بشارات". هؤلاء النسوة أنرن سماء بيروت بحضورهن وأثبتن أن فلسطين حاضرة في كل مكان، متجذّرة في كل قلب، والمرأة الفلسطينية، مثل أخيها الفلسطيني، متمسّكة بكل حبّة تراب من تراب وطنها.
إنها المرأة التي أنجبت أطفالها تحت وطأة الحواجز العسكرية، المرأة التي لم يسعفها الاحتلال حتى لولادة طبيعية آمنة. ومع ذلك، درست واجتهدت وربّت وصارت أيقونة في مجتمعها وفي المجتمعات العربية والعالمية، شاهدة على أن فلسطين لا تُنجب إلا المعجزات.
خاتمة الكلام
إن المرأة الفلسطينية في الوطن أو في الشتات مثالٌ يُدرّس في الصمود والتحدّي، وإزالة المعوقات من طريق الحياة القاسية. فهي الأم، والسياسية، والشاعرة، والكاتبة، والدكتورة، والمهندسة، والفاقدة للفرح الكامل، المترقبة دومًا للفقد والخوف. ومع ذلك، فإنها تبقى خالدة في سطور التاريخ وحروفه، شاهدة على أن النضال الفلسطيني ليس حكاية رجال فقط، بل هو في جوهره قصة نساءٍ عظيمات.
قلم :