الطعام في السوق... والمال مفقود: غزة بين المساعدات والمجاعة

غزة- زمن FM- في غزة، لا تُقاس الأزمة بعدد الشاحنات التي دخلت، ولا بعدد الأطنان التي فُرغت في المخازن. تُقاس الأزمة بعدد الأمهات اللواتي يُطفئن جوع أطفالهن بكوب ماء، وبعدد الأسر التي باتت تعتبر وجبة واحدة في اليوم حلمًا بعيد المنال. تُقاس الأزمة بصمت الجوع، وبعيون الأطفال التي تسأل ولا تجد جوابًا.

دخلت المساعدات، نعم. الطحين والزيت والأرز باتت متوفرة، لكن الأسعار لا تزال أعلى من قدرة الناس. كيلو الأرز الذي كان يُباع بـ100 شيكل أصبح بـ50، وعلبة الصلصة التي كانت بـ80 أصبحت بـ35. لكن ماذا يعني هذا لمن لا يملك حتى خمسة شيكل؟ ماذا يعني الانخفاض لمن انتهت نقوده قبل أن تنخفض الأسعار؟

أم عمر، أرملة وأم لأربعة أطفال، تقول بصوت مكسور:"حتى لو صارت الأشياء أرخص، أنا ما معي أشتريها. كل فلوسنا راحت مع الغلاء، وأنا ما عندي تطبيق بنكي ولا حدا يساعدني."

وفي خانيونس، أم نادر تحاول أن تُخفي دمعتها وهي تقول:"كنا نشتري الخضرة كل يوم، اليوم بنشتري مرة بالشهر ومش دايمًا. بنتي بتسألني ليش ما في خضراوات وفواكه، وأنا ما عندي جواب غير إنو ما معنا فلوس."

المجاعة لم تعد مصطلحًا يُستخدم في تقارير الأمم المتحدة، بل أصبحت واقعًا في مطابخ غزة. الأطفال يذهبون إلى النقاط التعليمية بلا فطور، والمرضى يُحرمون من الغذاء المناسب، والنساء يُضحّين بحصصهن ليطعموا أبناءهن. هذا ليس فقرًا فقط، بل انهيار إنساني.

في ظل غياب السيولة، بدأ البعض باستخدام تطبيقات الدفع الإلكتروني، مثل المحفظة والتطبيق البنكي، لكن هذه الوسائل لا تصل للجميع. هناك من يبادل الزيت بالخبز، وهناك من يبيع قطعة أثاث ليشتري دواء، وهناك من ينتظر تحويلًا من قريب في الخارج، وهناك من لا ينتظر شيئًا لأنه فقد الأمل.

دخول المساعدات خطوة مهمة، لكنها لا تكفي. الأزمة أعمق من مجرد انخفاض أسعار. إنها أزمة جوع، أزمة كرامة، أزمة إنسانية تُنادي العالم أن ينظر إلى غزة لا كملف سياسي، بل كأرواح تُصارع للبقاء.