غزة- زمن FM- في غزة، لا يكفي أن تمتلك المال في حسابك البنكي، بل يجب أن تمتلكه نقدًا، وفي فئة مقبولة، وفي حالة جيدة. فالأزمة لم تعد فقط في شحّ السيولة، بل في نوعها وشكلها، وحتى في قدرتك على استخدامها. منذ بدء الحرب في أكتوبر 2023، ومع إغلاق المعابر، توقفت البنوك عن استقبال النقد الجديد، وتلفت معظم الفئات الورقية، خاصة فئة الـ10 شيكل المعدنية التي لم تعد تُستخدم بسبب اهترائها، وفئة الـ100 و200 شيكل الطبعة القديمة التي يرفض التجار التعامل بها، بحجة أنها "غير مقبولة" أو "ممنوعة من التداول".
في السوق، أيضاً فئة الـ20 شيكل قل تداولها، لكنها لا تكفي لسدّ الفجوة، فكل عملية شراء أو ركوب مواصلات تبدأ بسؤال واحد: "معك فكة؟ ممنوع الماسك." عبارة أصبحت جزءًا من يوميات الناس، وكأنها شرط أساسي لأي تعامل. حتى لو كنت تحمل ورقة نقدية سليمة، فإن عدم توفر الفكة قد يمنعك من شراء رغيف خبز أو دفع أجرة الطريق.
الناس باتوا يتداولون الأموال المهترئة على مضض، يضعونها في أكياس بلاستيكية لحمايتها، ويبحثون عن تاجر يقبلها أو صرّاف يبادلها بفئات أصغر. البعض يضطر لدفع عمولة لتجار السيولة مقابل الحصول على فكة، والبعض الآخر يضطر لتأجيل الشراء أو الاستدانة، لأن "الفلوس مش نافعة".
في ظل هذا الواقع، لا يمكن الحديث عن اقتصاد، بل عن معركة يومية مع النقد، مع الورقة المهترئة، مع الفئة المرفوضة، ومع غياب أي جهة تنظم أو تراقب أو تحمي المواطن من هذا الانهيار النقدي.
غزة لا تعاني فقط من نقص السيولة، بل من انهيار كامل في منظومة النقد، حيث المال موجود لكنه لا يُستخدم، والاحتياج قائم لكن لا يُلبّى، والناس تعيش بين حساب بنكي لا يُسحب، وجيب فارغ لا يُملأ.
المصدر : نساء FM