غزة - زمن FM- بعد مرور 25 عامًا على قرار الأمم المتحدة 1325، ما زالت النساء غائبات عن مراكز صنع القرار في مجالات الدفاع والأمن، رغم الأدلة على أن مشاركتهن تعزز السلام والاستقرار.
في أكتوبر 2025، مرّت خمسةٌ وعشرون سنة على صدور قرار مجلس الأمن رقم 1325، الذي أطلق ما يُعرف بـ”أجندة المرأة والسلام والأمن”. وقد شكّل هذا القرار تحولًا جذريًا في التفكير الأممي تجاه دور المرأة في بناء السلام وحمايته، إذ استند إلى أربعة ركائز رئيسية: مشاركة المرأة في صنع القرار، والوقاية من النزاعات، وحماية النساء والفتيات أثناء الحروب، وضمان دورهن في عمليات إعادة الإعمار بعد الصراع.
ورغم التقدم الذي تحقق منذ عام 2000، لا تزال الفجوة واضحة في مجالات الأمن الصلب كالدفاع والسياسات العسكرية، حيث يظل حضور المرأة فيها محدودًا مقارنة بمجالات “الأمن الناعم” كالخدمات الاجتماعية وشؤون الأسرة والمساواة بين الجنسين.
ففي حين تشغل النساء نحو 45% من المناصب الوزارية المرتبطة بالقضايا الاجتماعية، لا تتجاوز نسبتهن في وزارات الدفاع حول العالم 13% فقط، كما لا تتعدى نسبة السفيرات وممثلات الدول في المنظمات الدولية 21%، أي أقل من ربع المجموع.
أما على الصعيد العسكري، فالصورة أكثر حدة؛ إذ لا تتجاوز نسبة النساء في صفوف قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) 11%، ولم تصل أي دولة عضو إلى حد 20%. وتُظهر التقديرات أن تحقيق المساواة الكاملة في الجيوش الغربية قد يستغرق أكثر من أربعة قرون إذا استمر التقدم بالوتيرة الحالية.
لكن هذا الغياب ليس مجرد رقم؛ بل قضية تمسّ جوهر الأمن العالمي وصنع القرار. فحين تُستبعد النساء من ساحات الدفاع والسياسة العسكرية، تغيب نصف وجهات النظر التي من شأنها أن تغيّر موازين التفكير في الحرب والسلام.
وقد ظهرت مؤخرًا إشارات مقلقة إلى تراجع في بعض الجيوش الكبرى، إذ أعلن وزير الحرب الأمريكي بيت هيغسِث في قاعدة كوانتيكو بفيرجينيا عن مراجعة شاملة لمعايير الخدمة العسكرية، متعهدًا بإلغاء سياسات التنوع والمساواة التي كانت جزءًا من إصلاحات الإدارات السابقة، معتبرًا أنها “مفاهيم تصحيحية سياسية”.
هذا التوجه يهدد بتقويض سنوات من الجهود التي هدفت إلى فتح أبواب القيادة العسكرية أمام النساء وإعادة تعريف القوة بمعايير أوسع من مجرد القدرة البدنية. فحروب اليوم لا تُخاض فقط في الميدان، بل في غرف القيادة والفضاء الإلكتروني وشبكات الذكاء الاصطناعي، حيث تبرز أهمية العقل والابتكار بقدر أهمية السلاح.
ورغم التحديات، لا تزال أجندة المرأة والسلام والأمن تتطور لتشمل مجالات العلوم والتكنولوجيا، وهي ميادين تشهد بدورها فجوة جندرية كبيرة، إذ لا تتجاوز نسبة النساء في القوى العاملة بمجال العلوم والهندسة والتكنولوجيا (STEM) نحو 28% عالميًا، وفي تخصصات الذكاء الاصطناعي نحو 22% فقط.
إن تمكين النساء في هذه المجالات لم يعد مطلبًا أخلاقيًا فقط، بل ضرورة استراتيجية، لأن القوة في القرن الحادي والعشرين تقاس بالمعرفة والابتكار أكثر من العضلات والسلاح.
ولا تتعلق القضية بالنساء في الزي العسكري فحسب، بل بالنساء على طاولة السلام والمفاوضات. فقد أثبتت الدراسات أن اتفاقات السلام التي تشارك فيها النساء تكون أكثر استدامة بنسبة 35% على مدى 15 عامًا أو أكثر. كما تُظهر المؤشرات أن الدول ذات التمثيل الأعلى للنساء في البرلمانات تتمتع بمعدلات ديمقراطية أعلى وفساد أقل.
ووفقًا لمؤشر المرأة والسلام والأمن 2023-2024، جاءت كل من النرويج وسويسرا والدنمارك في صدارة الدول التي تحقق التوازن بين المساواة والاستقرار، في حين بقيت دول مثل أفغانستان واليمن في ذيل القائمة بسبب اتساع الفجوة بين الجنسين.
إن المساواة ليست هدفًا أخلاقيًا فحسب، بل شرط أساسي للسلام المستدام والازدهار الحقيقي. فحين تكون المرأة جزءًا من صنع القرار، تصبح الدول أكثر أمنًا، والمجتمعات أكثر استقرارًا، والعالم أكثر إنصافًا.
