غزة- زمن FM- يشهد قطاع غزة في الأسابيع الأخيرة انتشارًا مقلقًا لمرضٍ عصبيّ نادر يُعرف باسم متلازمة غيلان باريه، حيث سجّلت وزارة الصحة أكثر من 120 حالة إصابة بين الأطفال خلال فترة زمنية قصيرة، وهو رقم يفوق المعدل الطبيعي بخمسة أضعاف مقارنة بالسنوات السابقة التي لم تتجاوز فيها الحالات المسجّلة ثلاث إصابات سنويًا.
يُعدّ هذا المرض من الأمراض المناعية الخطيرة، إذ يقوم الجهاز المناعي بمهاجمة الأعصاب الطرفية في الجسم، ما يؤدي إلى ضعف في العضلات وصعوبة في الحركة، وأحيانًا شلل كامل يمتد من الأطراف إلى عضلات الجهاز التنفسي، مما يجعل الحالة مهددة للحياة في غياب الرعاية الطبية المتخصصة.
وفي حديثٍ خاص لإذاعة نساء إف إم، أوضح أخصائي الأطفال الدكتور جورج امسيح أن المرض لا يفرّق بين الكبار والصغار، لكنه في قطاع غزة ظهر بشكلٍ لافت بين الأطفال مؤخرًا. وأشار إلى أن جهاز المناعة في هذه الحالات يهاجم الأعصاب بدلاً من حماية الجسم، خصوصًا بعد التعرض لالتهابات فيروسية أو بكتيرية مثل فيروسات الجهاز التنفسي أو بكتيريا الكامبيلوبكتر.
وأضاف الدكتور امسيح أن الظروف المعيشية المتدهورة في غزة — من قلة المياه النظيفة وتراكم النفايات وسوء الصرف الصحي — ساهمت في ارتفاع معدلات العدوى الفيروسية التي تُعد أحد أبرز محفّزات هذا المرض، مما جعل تفشيه يأخذ طابعًا وبائيًا غير مسبوق. وقال إن «عدد الحالات المسجّلة خلال أربعة أشهر فقط تجاوز المئة والعشرين إصابة، وهو رقم غير مسبوق ويستدعي التحرك السريع قبل تحوّله إلى أزمة صحية أوسع».
وأوضح أن خطورة الوضع لا تكمن فقط في عدد الإصابات، بل في غياب العلاجات الأساسية التي يحتاجها المرضى، مثل الغلوبولين المناعي الوريدي (IVIG) أو تبديل البلازما (Plasmapheresis)، وهما العلاجين الأساسيين لإنقاذ المرضى من الشلل أو الوفاة، إلا أنهما غير متوفرين في قطاع غزة بسبب الحصار ومنع دخول الأدوية والمعدات الطبية. وأضاف أن انقطاع الكهرباء ونقص الأجهزة المتخصصة جعل التعامل مع الحالات الحرجة شبه مستحيل، ما أدى إلى ارتفاع معدل الوفيات بين الأطفال إلى 15%، أي خمسة أضعاف المعدل العالمي.
وبيّن الدكتور امسيح أن الأعراض الأولية التي يجب على الأهالي الانتباه لها تشمل ضعف حركة القدمين أو اليدين، صعوبة في المشي أو النهوض، خدرًا في الأطراف، أو صعوبة في البلع والتنفس. وشدد على أن الكشف المبكر يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا بين التعافي الكامل والمضاعفات الخطيرة.
وأشار إلى أن أزمة متلازمة غيلان باريه في غزة ليست مجرد أزمة مرضية، بل تعكس انهيارًا عميقًا في المنظومة الصحية نتيجة الحصار ونقص الموارد، موضحًا أن عدم توفر الأدوية والمستلزمات العلاجية يترك الطواقم الطبية أمام معركة غير متكافئة يدفع ثمنها الأطفال أولًا.
وختم الدكتور جورج امسيح حديثه بدعوة عاجلة إلى المنظمات الدولية والجهات الصحية للتدخل السريع وإدخال العلاجات والأجهزة اللازمة لإنقاذ الأطفال المصابين، مؤكدًا أن هذا المرض يمكن السيطرة عليه والشفاء منه في حال توفر العلاج المناسب والإرادة الحقيقية لحماية أرواح الأبرياء

 
         
                   
                   
                  