وطن: منذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، حاولت دولة الاحتلال ترميم صورتها التي كسرها الطوفان، فسعت إلى تقديم نفسها في صورة "الرجل الأقوى" في قلب الشرق الأوسط، متحديةً الجميع بلا خوف.
بدا المشهد محسوبًا: جيش يمتلك أحدث الأسلحة، واقتصاد يواصل الإنفاق على القتال، وقيادة سياسية ترفع شعار الردع والتحدي.
غير أن هذه الصورة تُخفي مفارقة جوهرية، فإسرائيل وجدت نفسها بالفعل منبوذة دوليًّا، ولم تكن "الأقوى" كما أرادت أن تبدو.
فإسرائيل، ذات القدرات المحدودة جغرافيا وديموغرافيا، لم تصمد بفضل قدراتها الذاتية، بل لأنها استندت إلى دعم خارجي كثيف منحها القدرة على الاستمرار، من السلاح الأميركي إلى المظلة السياسية والاقتصادية الغربية، التي أبقت الحرب ممكنة لعامين كاملين.
ففي الشهور الأولى وحدها، تدفقت أطنان الأسلحة الأميركية عبر الموانئ والمطارات، ووافق الكونغرس على حزم بمليارات الدولارات لدعم ترسانة تل أبيب. الأهم من ذلك ربما أن إسرائيل حصلت على تمويل ضخم من مؤسسات مالية كبرى اشترت سندات إسرائيلية بقيمة 19.4 مليار دولار خلال عامين من الحرب.
فقد أظهر تحقيق أجرته مجموعة البحوث المالية الهولندية "بروفوندو" (Profundo) أن بنوكًا أوروبية وأميركية كبرى أدّت دورًا مباشرًا في تمويل الحرب من خلال الاكتتاب في السندات الحكومية لدولة الاحتلال.
ووفقا للتقرير، شاركت مؤسسات مالية أوروبية بارزة،، بجانب بنوك ومجموعات مالية أميركية مرموقة في شراء هذه السندات وتوفير السيولة اللازمة، وهو ما يجعلها مساهما أساسيًّا في تمكين تل أبيب من الاستمرار في حربها.
يعزز هذه المعلومات ما سبق أن أوردته فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة في يوليو/ تموز الماضي (2025) حول تدخل بعض أكبر البنوك في العالم، بما في ذلك بي إن بي باريبا وباركليز، لتعزيز ثقة السوق من خلال الاكتتاب في سندات الخزانة الإسرائيلية، مما سمح لتل أبيب بتدبير التمويل اللازم للحرب على الرغم من خفض تصنيفها الائتماني، بحسب ما نقلته الغارديان.
ساهمت هذه التدفقات المالية في رفع نفقات الحرب بشكل ملحوظ. فعلى سبيل المثال، قفزت موازنة وزارة جيش الاحتلال من نحو 60 مليار شيكل (18.3 مليار دولار) عام 2023 إلى حوالي 99 مليار شيكل (30.2 مليار دولار) بحلول 2024.
ومن اللافت أن العامل الاقتصادي لم يشكّل عائقًا أمام استمرار الحرب، إذ أكّد باحثون أن الاعتبارات المالية لم تمنع إسرائيل من مواصلة القتال، بل على العكس، عزّزت إنفاقها بصورة غير مسبوقة، مما جعل الحرب قابلة للاستمرار دون أن تتحول تكلفتها إلى عبء خانق على الداخل الإسرائيلي.
في الوقت ذاته، أدّت جماعات الضغط والأحزاب السياسية دورًا محوريًّا في استمرار "آلة القتل" الإسرائيلية، بعدما ضخّت اللوبيات المؤيدة لإسرائيل مبالغ طائلة في الحملات الانتخابية خلال عام 2024، مستهدفة إسقاط نواب الكونغرس الذين دعوا إلى وقف إطلاق النار أو انتقدوا الحرب الإسرائيلية.
وتشير البيانات أن "أيباك" وحدها أنفقت أكثر من 95 مليون دولار على السباقات الانتخابية في عام 2024 حيث رأت في الحفاظ على الخط السياسي الرافض لممارسة أي ضغط على إسرائيل، استثمارًا يستحق إنفاق كل هذه الأموال.
