أكدت شخصيات فلسطينية أن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تحمل في طياتها مخاطر جمة على القضية الفلسطينية، وتسعى إلى تحقيق الأهداف التي عجزت دولة الاحتلال عن تحقيقها خلال عامين من الإبادة الجماعية في قطاع غزة، إلى جانب فرض الوصاية الأميركية على الشعب الفلسطيني، لكنها تفتح أيضاً آفاقاً لفرص يجب استغلالها استنادا لرؤية وطنية متوافق عليها تهدف إلى إنهاء حرب الإبادة وإحباط مخططات التهجير التطهير العرقي.
ودعت هذه الشخصيات إلى تركيز الجهود الفلسطينية والعربية والدولية المناصرة للحقوق الفلسطينية على وقف الإبادة، وتثبيت وقف إطلاق النار، وتحقيق الانسحاب الكامل لقوات الاحتلال، وضمان تدفق المساعدات وإعادة إعمار، مع التأكيد على أهمية الوحدة الوطنية واستخلاص الدروس والعبر وبلورة رؤية فلسطينية موحدة وشاملة لمواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية.
وكان المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) نظم مساء الاثنين الفائت جلسة عصف ذهني عبر تقنية "زووم"، لمناقشة تداعيات خطة ترمب وانعكاساتها على الشعب الفلسطيني وقضيته، وبخاصة مستقبل قطاع غزة. وشارك في الجلسة العشرات من الشخصيات السياسية والأكاديمية والمجتمعية من داخل فلسطين وخارجها.
وقال خليل شاهين، مدير البرامج في مركز مسارات، في افتتاح الجلسة أن الهدف الأساسي هو التداول بشأن المخاطر والتداعيات المحتملة لخطة ترمب، التي وصفها بأنها "صيغت إلى حد بعيد بأيادٍ إسرائيلية". وشدد على ضرورة بلورة رؤية فلسطينية مشتركة لمواجهة هذه التداعيات، بهدف تحقيق وقف كامل لحرب الإبادة، وتثبيت وقف إطلاق النار، والانسحاب التام لقوات الاحتلال من قطاع غزة، بالإضافة إلى إعادة إعمار القطاع وضمان تدفق المساعدات الإنسانية، وكذلك وقف مخططات الاستيطان والضم والاعتداءات المستمرة في الضفة الغربية.
وقدم هاني المصري، مدير عام مركز مسارات، المداخلة الرئيسية، حيث أكد أن الجلسة تسعى إلى تقديم تصورات واقتراحات حول سبل التصدي للمخاطر والتحديات الكبيرة التي تواجه القضية الفلسطينية وتوظيف الفرص المتاحة، منوها إلى وجود فرص حقيقية لوقف الإبادة والتصدي للمخاطر الوجودية في حالة بلورة رؤية وطنية شاملة تبني على عناصر القوة لدى الشعب الفلسطيني والعوامل الإيجابية في البيئتين الإقليمية والدولية، مستشهداً بالصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني في قطاع غزة رغم الخسائر الفادحة والتضحيات الجسيمة المستمرة منذ عامين، وحملة الاعترافات العالمية بالدولة الفلسطينية، والتغير العميق في الرأي العام العالمي ضد إسرائيل.
وحذر المصري من أن خطة ترمب تفتقر إلى الضمانات والجداول الزمنية، خاصة فيما يتعلق بالانسحاب الإسرائيلي، منوهاً إلى حذف إسرائيل من المسودة الأولى نصاً يتحدث عن الانسحاب خلال أربعة وعشرين شهرا وفق ما صرح به بشارة بحبح، المستشار غير الرسمي للإدارة الأمريكية. كما لفت الانتباه إلى أن الخطة تتضمن من الناحية الجوهرية تشكيل "مجلس وصاية استعماري دون مرجعية أممية، أو تحديد فترة زمنية انتقالية، وكذلك دون مشاركة حقيقية للفلسطينيين".
وفيما يخص الوحدة الوطنية، اعتبر المصري إلى إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة يحتاج إلى "أكثر من الدعوات الحميدة وتوقيع العرائض، من خلال حشد الجهود والمبادرات وممارسة الضغوط الفعلية"، مشيراً إلى أن "الوحدة صعبة ويمكن ان تكون مستحيلة، ولكن هناك إمكانية لبلورة مواقف مشتركة في مواجهة المخططات التي تستهدف الجميع، مع تنسيق وتبادل الأدوار".
وتطرق المتحدثون/ات خلال الجلسة إلى الأسباب التي أدت إلى طرح خطة ترمب، مثل طموح ترمب الشخصي، ومحاولة إنقاذ إسرائيل من صورتها كدولة إبادة جماعية، واتساع حملات التضامن العالمية مع الشعب الفلسطيني، فضلا عن صمود الشعب الفلسطيني وتمسكه بالبقاء على أرض وطنه. وأكدوا ضرورة وجود عقل وطني فلسطيني جمعي يعمل على بلورة الرؤى والوسائل لمواجهة المخاطر، وتعزيز مكانة منظمة التحرير الفلسطينية عبر إشراك كافة القوى الوطنية فيها، وفقاً لاتفاق بكين.
وحذروا من أن معظم بنود خطة ترمب هي حقل ألغام تتطلب إرادة سياسية لمواجهتها تستند إلى إطار وطني فلسطيني جامع، وتفعيل دور المجتمع المدني، وتعزيز السردية الفلسطينية والتواصل الممنهج مع الرأي العام في مختلف أنحاء العالم.
وأشاروا إلى الفرص التي توفرها استعادة مكانة القضية الفلسطينية من خلال التحول العميق في التأييد الشعبي الغربي للقضية الفلسطينية، ووضع إستراتيجية تستفيد من هذا التحول بحيث لا يقتصر على التضامن الإنساني مع الفلسطينيين بل يمتد ليشمل البعد السياسي في دعم الكفاح التحرري الفلسطيني، من خلال التركيز على عدد من الأولويات مثل وقف الإبادة وإعمار قطاع غزة واحباط مخططات الاستيطان والضم والتهجير، وفضح الطابع الاستعماري الاستيطاني العنصري للمشروع الصهيوني.
وأكدوا أن الصراع لم يصل إلى مرحلة الحسم التي تريدها الأوساط الأكثر تطرفا في الحكومة الإسرائيلية، رغم المحاولات المستمرة لتصفية القضية الفلسطينية، وتجريم المقاومة في مواجهة الاحتلال، وشطب فكرة الكينونة الفلسطينية، ووسم الفلسطينيين بصفة الإرهاب والسلطة بالفساد. ودعوا إلى المحافظة على الكينونة الفلسطينية والمشروع الوطني الواحد كشعب واحد وسلطة واحدة ودولة واحدة من خلال إعادة بناء الوحدة الوطنية.
وشددوا على وجوب بناء موقف فلسطيني مشترك يحظى بدعم عربي ودولي فعال للتصدي لأي محاولة من الحكومة الإسرائيلية لتعطيل المفاوضات أو استغلال حاجة قطاع غزة لإعادة الإعمار كوسيلة ابتزاز، والشروع الفوري في حوار وطني شامل رؤية فلسطينية للمستقبل، وتشكيل وفد يمثل كل مكونات الشعب الفلسطيني للتفاوض حول إنهاء الإبادة والانسحاب الكامل لقوات الاحتلال وإعادة الإعمار والإنعاش الاقتصادي، والإدارة الفلسطينية لقطاع غزة بالترابط مع الضفة الغربية، ومواجهة محاولات فرض الوصاية الخارجية.