السلطة الفلسطينية في غرفة الإنعاش المالي: صندوق دعم دولي مؤقت وسط أخطر أزماتها منذ التأسيس

رام الله- زمن FM- تعيش السلطة الوطنية الفلسطينية واحدة من أخطر أزماتها المالية منذ تأسيسها، إذ تواجه تهديداً حقيقياً لوجودها واستقرارها بعد أن أقدمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على حجز أموال المقاصة بشكل كامل منذ خمسة أشهر، وهي أموال تشكل حوالي 68% من الإيرادات العامة للخزينة الفلسطينية. هذا الواقع الخانق أجبر الحكومة على البحث عن أفق جديد للتمويل بعيداً عن الانسداد القائم، والتوجه إلى المجتمع الدولي بطلب تشكيل شبكة أمان مالية عاجلة تضمن الحد الأدنى من القدرة على الوفاء بالالتزامات الأساسية، خصوصاً الرواتب والخدمات الحيوية.

بناءً على هذا الطلب، تحركت أربع دول – تتصدرها المملكة العربية السعودية – لتبني صندوق دعم مالي طارئ لصالح السلطة، في خطوة اعتُبرت بمثابة حلف إنقاذ مالي، رغم أن مؤتمر المانحين يُعقد بشكل دوري كل ستة أشهر. غير أن هذه المرة اختلفت أهميته لسببين مركزيين: الأول أنه تزامن مع موجة الاعترافات الدولية بدولة فلسطين والتي برزت خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، والثاني أنه جاء في ظل أزمة مالية خانقة غير مسبوقة تهدد قدرة السلطة على الاستمرار.

الصحفي الاقتصادي إيهم أبو غوش أوضح في حديث مع "نساء إف إم"،  أن ما أُعلن عنه حتى اللحظة لا يتجاوز 200 مليون دولار، في حين أن ما طُلب للصندوق يقارب 1.2 مليار دولار كمرحلة أولى، وهو بدوره لا يغطي أكثر من نصف الاحتياجات الشهرية التي تقدر بـ400 مليون دولار. بمعنى أن ما تم توفيره فعلياً لا يتعدى 6% مما تحتاجه السلطة فعلياً لتغطية التزاماتها لمدة 16 شهراً، ما يجعل هذا الدعم بمثابة أكسجين مؤقت لإبقاء السلطة على قيد الحياة لا أكثر. وأشار أبو غوش إلى أن السلطة اليوم أمام أزمة مالية مركبة نتيجة احتجاز أكثر من 12 مليار شيكل من أموال المقاصة، أي ما يزيد على 3.5 مليار دولار، وهو ما خلق حالة شلل مالي وعجز عن دفع الرواتب والمستحقات للقطاع العام والخاص على حد سواء.

وأضاف أن هذا الصندوق يتميز بأنه غير مشروط في معظمه، باستثناء المساهمة الألمانية التي تُعد الأولى من نوعها لدعم الموازنة العامة مباشرة، بينما هناك منح أوروبية مرتبطة بالرقابة وآليات المتابعة. وأشار إلى أن الحلول الداخلية التي لجأت إليها السلطة خلال العامين الماضيين – مثل الاقتراض من البنوك والصناديق المحلية – بلغت أقصاها، ولم يعد بالإمكان التعويل عليها لتجاوز الأزمة. وبيّن أن ما يجري هو جزء من حرب مالية مفتوحة تشنها حكومة إسرائيلية متطرفة لا ترى في الفلسطيني شريكاً أو صاحب حق في دولة. فاحتجاز الأموال ووقف التحويلات وفرض المزيد من القيود المالية يهدف إلى خلق بيئة طاردة وتفكيك المنظومة الاقتصادية والاجتماعية للفلسطينيين في الضفة وغزة.

ويرى أبو غوش أن الدعم الحالي يمكن أن يساعد فقط في تغطية جزء من الرواتب بنسبة تتراوح بين 50 و60%، ولن يمكّن الحكومة من دفع المستحقات للقطاع الخاص أو سداد الدين العام أو تسيير النفقات التشغيلية كاملة. وحتى في حال جرى توفير كامل المبلغ المعلن عنه للصندوق، وهو مليار و200 مليون دولار، فإن ذلك لا يتجاوز كونه علاجاً مرحلياً، لأن النقص الشهري المستمر والاعتماد على المقاصة وغياب البدائل سيبقي الأزمة حاضرة ومفتوحة.

ويؤكد أن أي انفراج مالي حقيقي مرهون بالإفراج عن أموال المقاصة المحتجزة، لأن المساعدات الخارجية مهما بلغت لا تستطيع سد الفجوة المالية التي خلّفها الاحتلال. ويضيف أن غياب الحل السياسي واستمرار الحرب المالية الإسرائيلية يجعلان أي دعم خارجي مجرد وسيلة لتأجيل الانهيار وليس إنهاء الأزمة. وفي ظل هذه الصورة، تبدو السلطة أمام خيارين لا ثالث لهما: إما استمرار الاعتماد على المساعدات الخارجية كمسكّن مؤقت، أو انتظار تطورات سياسية تفرض على الاحتلال الإفراج عن الأموال المحتجزة.

وبذلك، فإن ما يسميه البعض حلفاً مالياً أو شبكة دعم دولية ليس أكثر من محاولة لمنع الانهيار الشامل، مع إدراك الدول الداعمة أن غياب هذا الأكسجين المالي قد يقود إلى تداعيات سياسية وأمنية وإنسانية واسعة. ومع استمرار حالة الغموض وغياب حلول جذرية، تبقى السلطة في حالة إنعاش مراقب، تحاول الصمود أمام واحدة من أعنف الأزمات التي تواجهها منذ نشأتها.