بعد عقود طويلة من العمل الوطني، رحل المناضل والسياسي الفلسطيني المخضرم عبد الجواد صالح عن عمر يناهز ال 95 عاما اليوم السبت - الثالث والعشرين من آب عام 2025، في مدينة البيرة، تاركا ورائه إرثا شعبيا ونضاليا ممتدا عبر عقود من الزمن ليكون أحد ركائز النضال المبدئي، ليغادرنا وهو مرفوعُ الرأس لم يبدل ولم يساوم على مبادئه يومًا.
شُيّع عبد الجواد على أكفِ رفاقه ومحبيه لكنه لن يغادر الذاكرة يومًا، وهو الذي اجتمع على حبه الشارع الفلسطيني وكان محبا وسندا لعائلته ومثالا في التواضع لكل من عرفه.
وُلد عبد الجواد صالح في مدينة البيرة في 3 ديسمبر/كانون الأول 1931 وحصل على البكالوريوس في الاقتصاد السياسي من الجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 1955 وانخرط في صفوف حزب البعث العربي لتكون تلك بداياته في العمل العمل السياسي والفكري.
وبعد عودته إلى أرض الوطن انتخب رئيسا لبلدية البيرة عام 1972 بأغلبية كاسحة، لتكون البلدية نموذج للتنظيم المجتمعي والمقاومة المدنية في مواجهة سياسات الضم والتهجير للاحتلال.
محطات عديدة كان للراحل أثر بارز فيها، فكان أحد مؤسسي "لجنة التوجيه الوطني" التي قادت النضال ضد الاستيطان وممارسات الاحتلال تحت إطار "الجبهة الوطنية الفلسطينية"
رغم إبعاده بعد عام فقط من توليه رئاسه بلدية البيرة واستشهاد ابنه ماهر الذي استشهد عام 1974 خلال تدريبات عسكرية في لبنان، إلا أن ذلك لم يزده إلا صلابة وتمسكا بمبادئه وظل اسمه مرتبطا بالعمل الوطني فكان أحد مؤسسي مركز القدس للدراسات التنموية في عمّان.
عاد إلى أرض الوطن عام 1993 وانتخب عضواً في المجلس التشريعي عن دائرة رام الله في انتخابات 1996، وتولى حقيبة وزارة الزراعة في الحكومة الفلسطينية لعامين قبل أن يستقيل عام 1998 وكان الراحل عضو سابق في المجلس المركزي واللجنة التنفيذية في منظمة التحرير بين عامي 1974 و1982.
ولأن النضال لا يتجزأ عُرف الراحل بمعارضته الجريئة لسياسات السلطة منذ عقود فاستقال من وزارة الزراعة بعد عامين فقط من توليها بسبب احتجاجه على ممارسات السلطة ليؤكد على مبدئيته واستقلاليته وكان معارضا شديدا لاتفاقية أوسلو، ما دفعه للاستقالة أيضا من المجلس المركزي لمنظمة التحرير.
قال نجل الراحل ناصر عبد الجواد لـوطن،" اكتسبنا من الوالد أن نكون متواضعين وكان التواضع أساس محبة الناس للوالد وعرفه الناس من كل الأعمال التي قام بها وفي بدايتها عندما قام بضرب جندي من جيش الاحتلال على دوار المنارة بعد اعتدائه على شوفير فلسطيني خلال فترة رئاسته لبلدية البيرة".
وتحدث نجل الراحل صالح عبد الجواد لـوطن، بأن أحد المآثر الرئيسة التي قام بها بعد انضمانه لمنظمة التحرير عام 1974 اصراره ومبادرته لإنشاء ملاجئ للمرة الأولى للفلسطينيين في المخيمات في الوقت الذي كان يستشهد فيه العشرات والمئات نتيجة قصف قوات الاحتلال".
بدوره، قال نجله بشار لـوطن،" الوالد علّمنا حب الوطن منذ طفولتنا والإيمان في المواطنين فهو دائما كان مؤمن بشعبنا وبأنه سيتحقق النصر في يوم ما، ولم أشعر بأنه يأس في أي وقت رغم كل الظروف".
وأشار نجله عمر لـوطن، إلى أن اسشتهاد أخيه ماهر بعد أن اتخذ والده الراحل القرار وسمح له بالتدريب العسكري، وبالتالي كان من طبيعته النضال حتى الرمق الأخير وعلّم أبنائه على اتخاذ المواقف الوطنية دون حدود.
من جانبه قال الأمين العام لحزب الشعب الفلسطيني بسام الصالحي لـوطن،" أن عبد الجواد صالح مناضل مشهود له منذ سنوات طويلة ونحن في حزب الشعب بشكل خاص نعتز بالعلاقة معه حيث خُضنا سويًا نضالات هامة للغاية سواء ما قبل الاحتلال أو بعد ذلك عندما كان رئيسًا لبلدية البيرة ثم كجزء أساسي في الجبهة الوطنية التي أسسها مع الحزب الشيوعي ومع قوى وشخصيات وطنية مختلفة وعلى إثرها تعرض للاعتقال والابعاد"،
وأشار الصالحي إلى مرافقة الراحل في مختلف المحطات التي ناضل فيها.
مدير مركز اعلام حقوق الإنسان والديمقراطية "شمس" د. عمر رحال تحدث عن مسيرة الفقيد قائلا، بأن الراحل " أبو صالح" هو أحد السياسيين والمناضلين الفلسطينيين ورمز من رموز الحركة الوطنية المعاصرة شكل نموذجا ومناضلا شرسًا مبدئيًا مقدامًا شجاعًا ولم يساوم يومًا من الأيام".
وتابع رحال بأن المناضل قاد مع زملائه ورفاقه في الأرض المحتلة نضالًا مبدئيا وضد الاحتلال في كل الميادين ابتداء من اللجنة التنفيذية ومرورا باللجنة الوطنية والمجلس التشريعي وأثناء وزارته، مؤكدا على أنه سياسيًا لم يغيّر ولم يتغير.
وقال منسق المؤتمر الشعبي 14 مليون عمر عساف لـوطن،" كما يُقال الأمور بخواتيمها وليس المهم كيف بدأ الإنسان حياته بل كيف غادرها، وكان عبد الجواد صالح رجلًا مبدئيا قرن القول بالعمل، منذ نعومة أظافره".
وتابع عساف،" ظل صوت الراحل عاليت ولم يساوم وكان واحد من الذين وقعّوا بيان العشرين الشهير وتعرض للاعتداء من قبل السلطة لكنه ظلّ على موقفه".
وعن مواقف الراحل الصلبة، قال مدير مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية حلمي الأعرج ،" عبد الجواد صالح عاش مناضلا وقضى مناضلا والمناضل لا يتجزأ، هو حالة موحدة في مواجهة الاحتلال والفساد وكل أشكال الترهل، ويعتبر رمز وطني بامتياز ترجل عن حصانه بعد مسيرة طويلة من العطاء والنضال في خدمة القضية".
نائبة الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ماجدة المصري قالت لـوطن،" الراحل ابن الشعب وقدّم للشعب وواصل نضاله بثبات على مواقفه وشجاعا في كلمة الحق والمجاهرة ضد الفساد وأي موقف سياسي بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وكان له موقف صريح ضد اتفاق أوسلو من منطلق رؤيته الشفافة بأنها تشكل خطيئة سياسية، ونحن نرى نتائجها وآثارها على الأرض".
عاش عبد الجواد مناضلا ومات مناضلا ترك في نفوس أبنائه وأحفاده حب الأرض فكانت وصيته التمسك بالأرض حتى النفس الأخير
وقالت حفيدته دالية بشار عبد الجواد لـوطن، بأنه وصيته دائما كانت حول حب الأرض وأهمية التمسك والصمود فيها والاعتماد على الاقتصاد الذاتي الفلسطيني.
وتحدثت حفيدته زين عمر عبد الجواد لـوطن،" أشعر بأني فقدت الذي علمني من أكون، وكانت شخصيتي مبنية من شخصية جدي بمبادئه الذي بقي محافظا عليها حتى النفس الأخير".
وقالت حفيدته نور عمر عبد الجواد لـوطن،" كان جدي رجل عائلة "محب لعائلته" عدا عن كونه رجل مجتمع، وحدثنا دائما عن أهمية الزراعة والأرض لأننا مجتمع فلاح".
كان صالح ضميرا سياسيا مخلصا للوطن والقضية قبل كل شيء .. عاش وغادرنا وهو حرا في قراره لا يساوم على مبادئه ولم يتواني في خدمه وطنه يوما ليشكل حالة فريدة في ذاكرة الفلسطينيين ورمزا للاستقامة الوطنية.