قطاع غزة: بين أزمة المثقف الفلسطيني والعربي

كتب أمجد شهاب: تُعدّ أزمة المثقف الفلسطيني اليوم من أخطر الأزمات الفكرية في المشهد التاريخي، السياسي والاجتماعي الفلسطيني.

ويعود ذلك إلى أسباب عديدة، من أهمها: النكبة عام 1948، والنكسة عام 1967، والمنفى، واستمرار الانقسام بين حركتي فتح وحماس، وتناقضات السلطة والفصائل… إلخ.

فغياب دور المثقف في أكثر المراحل دموية في تاريخ القضية الفلسطينية، رغم فظاعة الجرائم والمجازر، شكّل عائقًا كبيرًا أمام توجيه الشعب وتوعيته، والدفاع عن القيم الأخلاقية والثقافية والوطنية، التي تدعو إلى قول الحقيقة دون تضليل، من أجل حماية التراث وهُوية المجتمع الفلسطيني.

لقد التزم معظم المثقفين الفلسطينيين الصمت، لا سيّما أولئك الذين يعملون كموظفين في مؤسسات السلطة الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة عام 1967 أو خارجها (في أوروبا، آسيا، أفريقيا، أمريكا… إلخ)، حيث لم يتجرّأوا على تبنّي مواقف واضحة خوفًا على وظائفهم ورواتبهم.

بل إنّ بعضهم وظّف الوضع الكارثي في غزة لخدمة انتمائه السياسي، ضمن مصالح ذاتية ضيقة، على حساب المصلحة العامة، وعلى حساب معاناة أهل غزة وجراحهم وشهدائهم… إلخ.

إن ضعف الخطاب الفكري والنخبوي لم يرتقِ إلى الحدّ الأدنى من مستوى ما تتعرض له القضية الفلسطينية عمومًا، وقطاع غزة خصوصًا، رغم وجود قلّة قليلة قدّمت قراءات معمقة ومحايدة ومستقلة، من أجل إيجاد حلول للانقسام الفلسطيني، وتوحيد الطاقات والإمكانات والكفاءات في مواجهة الخطر الوجودي المحدق بالقضية.

والمؤلم أكثر هو غياب المقالات التي تضع النقاط على الجرح الحقيقي، مثل أزمة القيادة السياسية، وغياب الاستراتيجية، وغياب البرنامج العملي والإجراءات اللازمة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، في ظل حالة الفشل والعجز والشلل التي تُلقي بظلالها على الواقع، وتكاد تؤدي إلى التخلي عن غزة وأهلها.

وبعض من يُسمّون أنفسهم “مثقفين” يظهرون في الإعلام الغربي بلغة الحياد، أو بتحميل الضحية مسؤولية ما يحدث. وقلة منهم فقط تجرؤوا على التنديد بما يجري، وانتقدوا غياب تحمّل المسؤولية، وغياب دور المؤسسات… إلخ.

فالعدوان الوحشي على غزة لم يفضح الاحتلال وحده، بل كشف أيضًا عن ضعف دور المثقف الفلسطيني، وتردده بين الانحياز للقضية أو الانتماءات السياسية والمصالح الفردية الضيقة.

لهذا، يبدو أن المثقف الفلسطيني بقي محاصرًا، قليل الحيلة، يبحث عن وضع مستقر يخدم مصالحه الذاتية. فالمجازر التي تُرتكب في غزة ليست أزمة رأي، بل أزمة وعي وضمير وانحياز للحق، وواجب وطني… إلخ.

وأصبح المثقف الفلسطيني مرآةً تعكس حال المثقف العربي، الذي فضّل الصمت، إما نتيجة التردد، أو بلعبه دور المُبرّر لعجز وفشل الأنظمة العربية في وقف المجازر، أو حتى إدخال الغذاء للذين يموتون جوعًا في قطاع غزة. كما فضّل بعضهم الوقوف إلى جانب أنظمتهم، بدل الوقوف إلى جانب شعوبهم، ورفض التطبيع والذل والهوان الرسمي.

والمؤلم الصادم، أن بعض المثقفين في المشرق والمغرب اختاروا الصمت، فيما ركّز البعض الآخر على انتقاد المقاومة، وتبنّوا الرواية الصهيونية والغربية بتحميل المقاومة المسؤولية، بزعم أن “لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها”، متناسين أنها قوة احتلال ترتكب المجازر ضد المدنيين العُزّل منذ عقود طويلة، وأن القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة يمنعها من استخدام القوة المفرطة ضد شعب واقع تحت الاحتلال، باعتبار ذلك إرهابًا دوليًا… إلخ.

إن صمت المثقف، سواء الفلسطيني أو العربي، أخطر بكثير من الفشل السياسي الفلسطيني والعربي، خاصة حين يكون انحيازه في المكان الخطأ من التاريخ، الذي لن يرحم أحدًا.

فأزمة المثقف العربي عمومًا، والفلسطيني خصوصًا، هي فقدان البوصلة الأخلاقية والمبادئ والقيم، في سبيل الحصول على امتيازات، أو مناصب، أو منابر، أو جوائز، على حساب دماء عشرات آلاف الشهداء، والأسْرى، ومئات الآلاف من الجرحى، وعلى حساب الكرامة والشرف الفلسطيني والعربي.