غزة- زمن FM- في زاوية بسيطة من بحر غزة، عند "استراحة الباقة"، جلسا معًا كأن لا حرب تُحيط بهما، ولا طائرات تقصف فوق رأسيهما. علا عبد ربه وخطيبها نسيم كانا يحاولان قنص لحظة حياة، احتساء قهوة، نظرة حب، ضحكة صافية في مدينة يحاصرها الدمار، وتفتك بها الحرب منذ شهور طويلة.
كانت الشمس تميل إلى المغيب، وكانت علا تضحك على شيءٍ قاله نسيم، أمسكت يده، كأنها تستنجد بالأمان الذي تمنحه تلك الكف. قال لها: "لا تخافي، ما دمنا معًا"، لكن الحرب لا تعرف الحب، ولا تمنح للعاشقين فرصًا ثانية.
انفجار مفاجئ أنهى كل شيء.
سقط نسيم شهيدًا أمام عينيها، مزّقت شظايا جسده وأحلامهما، وأُصيبت علا بجروح بالغة، تضررت أوتار قدميها، وفقدت القدرة على المشي. تركها القصف بنصف جسد، ونصف قلب.
النساء في زمن غزة: الحب في زمن المجازر
منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر 2023، يعيش الغزيون في دوامة من الفقد المستمر. لا تقتصر الحرب على قتل الرجال، بل تمتد لتترك النساء يصارعن الشوق، الفقد، والمسؤوليات التي تتراكم في غياب الشريك والسند.
تقول علا، وهي على كرسيها المتحرك في أحد المراكز الصحية المؤقتة شمال غزة: "كان كل البداية، بل كل الجمال. حين سقط، سقط شيء بداخلي. أنا أعيش بشطر قلب، وأحاول أن أكون قوية لأن روحه تستحق أن تظل حيّة داخلي."
تحمل هاتفها المحمول، تنظر إلى صور التُقطت قبل القصف بلحظات، تحتفظ بصوته وهو يقول: "لا تخافي". اليوم، ذلك الصوت لم يعُد مجرد ذكرى، بل شهادة حب قُصفت تفاصيله... وبقي صداه فقط.
ناجيات لا مجرد أرامل: غزة تنادي بدعم النساء نفسيًا واجتماعيًا
قصة علا ليست استثناءً. في غزة، هناك آلاف النساء اللواتي فقدن أزواجهن، خطّابهن، أبناءهن في هذه الحرب، لكن نادرًا ما يُنظر إليهن كـ"ناجيات"، بل يتم اختزالهن في مصطلحات مثل "أرامل" أو "ثكالى"، بينما الواقع أكثر تعقيدًا.
تطالب نساء غزة، وفي مقدمتهنّ علا، ببرامج دعم نفسي حقيقية، ومساعدات اقتصادية تعيد إليهنّ الحد الأدنى من الأمان. الحرب لا تقتل فقط، بل تترك من بقي خلفها مثقلًا بالشوق، الفقد، والمسؤولية.
في ظل الحصار المستمر وتهجير أكثر من مليون ونصف مواطن، ودمار البنية التحتية الصحية والاجتماعية، يصبح ترميم النفوس المكسورة مهمة مستحيلة دون تدخل فعلي ومُنصف.
حبٌ استثنائي... ووطن داخلي يُرمم الوجع
في غزة، لا تنتهي الحكايات عند الموت. بل تبدأ أخرى، تتحدث فيها النساء عن الحنين، وتُعيدن تشكيل تفاصيل العلاقة في الذاكرة، كأنهنّ يُعدن حياكة الحب في ظلال الحرب.
علا، رغم جراحها، تكتب على دفاترها الصغيرة رسائل لم تُرسل، وتعلّق في خيمتها صورته كما لو كان غائبًا في سفر قريب.
"استودعته إلى الله حتى ألقاه"، تقولها بصوت خافت، تختصر فيها رحلتها بين الحب والفقد، الأمل والانكسار، وتُثبت أن في قلب الحرب هناك ما يستحق الحياة – حتى لو كان على كرسي متحرك.
غزة لا تنزف فقط... بل تحبّ أيضًا
في حرب غزة، الحب لم يكن ترفًا، بل شكلًا من أشكال البقاء. نسيم وعلا لم يكونا مجرد خطيبين، بل شاهدين على قدرة الفلسطينيين على الحياة وسط الموت. وقصة علا، بكل تفاصيلها، تروي جانبًا من مأساة غزة الذي لا تنقله الأرقام ولا نشرات الأخبار.
تحت الأنقاض، وفي المخيمات المؤقتة، وفي عيادات العلاج الطبيعي، هناك قلوب تحب رغم الألم، وتعيش على أمل اللقاء – وإن تأجل إلى الآخرة.
المصدر: زمن FM - نساء FM