نساء غزة في رحلة موت يومية بحثًا عن "طحين الحياة"

غزة- زمن FM- في شوارع أكلتها الحرب، وغزاها الغبار والركام، تمضي أم ياسين حافية القلب، حاملة طفلتها بيد، وكيس دقيق فارغ  بيدٍ أخرى، تسير ما يقارب الساعة يوميًا للوصول إلى نقطة توزيع المساعدات على أمل الحصول على الفتات من اجل البقاء على قيد الحياة. لا سيارات، لا عربات، ولا حتى خيول أو حمير، بعدما نضب الوقود وتوقفت الحياة عن الحركة.

"ما في بنزين، ولا حدا يوصّلنا... نمشي مسافات طويلة لأنو الجوع ما بيستنى حدا"، تقولها بنبرة مخنوقة، وكأنها تلخص مشهدًا من البؤس المتراكم.

في غزة، لم تكن النساء يومًا على الهامش. لكن في هذه الحرب، أصبحن الخط الأول للمواجهة: يسهرن على رعاية الأسر، يدبرن الخبز من لا شيء، ويحملن صغارهن على ظهورهن في طرق محفوفة بالخطر، فقط للحصول على ما يسد الرمق.

لم تعد مشقة السير الطويل خيارًا، بل ضرورة فرضها غياب النقل وانعدام الوقود. وحتى عربات الخيول التي كانت ملاذًا للفقراء وقت الأزمات، اختفت مع شح الأعلاف واحتراق الأسواق.

المشي على الرماد… وسيلة للحياة

تسير النساء وسط أنقاض البيوت، وخطر القصف . تقول "سعاد"، ممرضة تعمل في نقطة إسعاف ميدانية: "أحيانًا أصل إلى العمل وأنا أرتجف من التعب، نحمل أدواتنا على ظهورنا ونمشي لأنو المرضى بانتظارنا. وما في وسيلة غير الأقدام."

في ظل غياب تام لوسائل النقل، باتت النساء يستخدمن عربات أطفال مكسورة لنقل الماء، أو يحملن قناني المياه الصغيرة على أكتافهن. هذا المشهد اليومي بات عاديًا، لكن الألم المختبئ خلفه لا يُحتمل.

يقولون إن الحرب لا تفرّق، لكن الواقع يُكذب ذلك. النساء يتحملن أعباءً مضاعفة: فقد العائل، رعاية الأطفال، تدبير الغذاء، والآن الحركة القسرية سيرًا على الأقدام وسط الخوف.

تقول فتاة عشرينية من شمال القطاع: "حتى لما نمرض، ما بنقدر نروح على المستشفى إلا مشي… كأننا مش موجودين، كأننا مش بشر."

حق النساء في التنقل… لا يُقايض بالصمت

حرية الحركة ليست رفاهية. إنها حق أصيل من حقوق الإنسان، لكن هذا الحق في غزة بات رهينة الحرب، والإهمال، والتمييز  والاستهداف. وبينما تتركز أنظار العالم على المعارك، تبقى معاناة النساء في تفاصيل الحياة اليومية، بين خيمةٍ تفتقر للخصوصية، وطريقٍ محفوف بالركام، وجوع لا يرحم.

المؤسسات الإنسانية مطالبة بالتحرك، لا فقط بالإغاثة، بل بتوفير حلول نقل آمنة، وتنظيم مساعدات قريبة من نقاط النزوح، والاعتراف بأن النساء في غزة لا يجب أن يكنّ مجرد متلقيات للنجاة، بل شريكات في الكرامة والبقاء.

المصدر: زمن FM - نساء FM