غزة- زمن FM- وسط خيام لا تكاد تحمي من حرّ الشمس أو برد الليل، تعيش آلاف النساء النازحات في غزة تجربة النزوح بكل ما تحمله من قسوة وانعدام خصوصية. ففي واحد من مخيمات النزوح جنوب القطاع، كانت "أم حمزة" تلوّح بقطعة كرتون متهالكة في محاولة لتخفيف الحرارة عن طفلتها الرضيعة، فيما الهواء داخل الخيمة أشبه بتيار ساخن محبوس، يكاد يخنق الأنفاس.
تقول أم حمزة بصوت منهك وعينين مغرورقتين: "خسرنا بيوتنا وأحبّتنا، وحتى الخيمة لا تحفظ كرامتنا. لا خصوصية، لا أمان، ولا شيء يدل على أننا بشر بحاجة إلى ما هو أكثر من مجرد مأوى."
الخيام المؤقتة لا تفي بحدّها الأدنى من مقومات العيش، فهي صغيرة لدرجة أن النوم فيها يتم بالتناوب بين أفراد الأسرة، والهواء فيها متكدّس يضاعف الإحساس بالاختناق النفسي والجسدي، خاصة لدى النساء.
في شهادة وثقتها "مؤسسة الضمير"، تحدّثت "أم لينا"، وهي نازحة من جنوب القطاع، عن واحدة من أبرز التحديات اليومية:"لا مكان للاستحمام بخصوصية. أضطر للاستحمام ليلًا خلف ستارة قماشية، ودائمًا أخشى أن يراني أحد. الأمر مهين ومتعب نفسيًا." وتضيف: "حتى غسيل الملابس بات مصدر توتر. لا مكان لنشرها دون أن يراها الجميع."
ورغم صعوبة الظروف المعيشية، فإن العبء النفسي يبدو الأثقل. "براء أحمد"، طالبة دراسات عليا، وصفت حال والدتها في رسالة صوتية:"أمي تبكي كل ليلة. الجوع لم يعد هو المشكلة الأكبر، بل الشعور بالضيق، بالعجز… حتى الضحك غاب عن وجهها."
منظمات حقوقية وإنسانية تعمل على تقديم دعم نفسي متواضع، يشمل جلسات جماعية واستشارات فردية، إلى جانب أنشطة تعبيرية تهدف لتخفيف التوتر مثل الرسم والحرف اليدوية. إلا أن هذه الجهود تبقى محدودة مقارنة بحجم الحاجة وعمق الأزمة.
تقول "سعاد"، أم لأربعة أطفال، بنبرة موجعة:"كل شيء ضاق بنا… الخيمة، النفس، وحتى الذاكرة. نحن لا نريد طعامًا فقط، نريد من يسمعنا كنساء. نحن لسنا مجرد أرقام تنتظر الإعانات."
في زوايا المخيم، تختلط حرارة الصيف ببرودة الشعور بالتهميش، وتمضي النساء في معركتهن اليومية لتثبيت ملامح الكرامة، في واقع لا يمنحهن حتى مساحة كافية للشكوى.
صوت النساء في المخيمات ليس مجرد صدى لمعاناة، بل نداء واضح من أجل الكرامة والاعتراف والاحتواء. فحين تصبح الخيمة أضيق من الحلم، يكون صوت المرأة أوسع من الألم.
المصدر: زمن FM - نساء FM