رام الله- زمن FM- يُعدّ اليوم العالمي للمرأة، الذي يُحتفل به في 8 آذار من كل عام، مناسبةً عالمية لتكريم إنجازات النساء في مختلف المجالات، وتسليط الضوء على حقوقهن ونضالهن المستمر ضد التمييز والعنف والتهميش.
يواصل نضال المرأة العالمي، الذي تُوِّج بتحديد 8 آذار يوماً عالمياً للمرأة، مسيرته الممتدة لـ 168 عاماً، حيث يدخل الاحتفال الرسمي بهذا اليوم عامه الـ 116، محققاً انفراجات مهمة في قضايا تحرر المرأة من جهة، ومواجهة عوائق تعرقل مسيرتها من جهة أخرى.
وفي ظل هذه التحولات، لا يُعدّ 8 آذار مجرد مناسبة للاحتفال، بل فرصة لتجديد العهد على تصعيد النضال، وضمان تحقيق المزيد من الحقوق والإنجازات، في مواجهة أي تحديات تُعيق تقدم المرأة نحو المساواة والعدالة.
"ثورة خبز وورد"
عندما نعود إلى جذور المطالبات بتحديد يوم عالمي للمرأة، يتضح حجم النضال الطويل والتضحيات الكبيرة التي قدمتها النساء عبر العقود من أجل حقوقهن ومكانتهن في المجتمع. هذا النضال المليء بالتحديات والمآسي، تُوِّج في النهاية بتحديد 8 آذار يوماً عالمياً للمرأة، ليصبح رمزاً للمساواة وللعدالة وللاعتراف بدور المرأة في مختلف أنحاء العالم.
البداية من نيويورك.. احتجاجات قوبلت بالقمع
في 8 آذار عام 1857، شهدت مدينة نيويورك الأميركية أحد أبرز التحركات النسائية المبكرة، حيث أعلن آلاف العاملين في مصانع النسيج، معظمهم من النساء، الإضراب عن العمل، مطالبين بتحسين ظروف العمل القاسية، إلا أن هذه الاحتجاجات قوبلت بالقمع الوحشي من قبل الشرطة.
بعد 50 عاماً، وفي 1907، خرجت مئات العاملات في نيويورك في مظاهرة سلمية حملن خلالها قطعاً من الخبز وباقات من الورود، تعبيراً عن مطالبهن بتحسين ظروف العمل، ونيل حق الانتخاب، ومنع عمالة الأطفال الذين كانوا يُستغلّون بسبب رخص الأيدي العاملة.
حملت هذه المظاهرات شعار "خبز وورود"، في إشارة إلى الجمع بين الحقوق الاقتصادية (الخبز) والكرامة الإنسانية (الورود)، ما شكل ضغطاً على المسؤولين السياسيين لوضع قضية المرأة العاملة على جدول الأعمال السياسية.
مؤتمر كوبنهاغن 1910.. نقطة تحول عالمية
مع تصاعد النشاط النسائي، انعقد عام 1910 مؤتمر الأممية الاشتراكية للمرأة العاملة في العاصمة الدانماركية كوبنهاغن، بمشاركة أكثر من 100 امرأة من 17 دولة، بينهن مناضلات نسويات بارزات.
خلال المؤتمر، اقترحت كلارا زيتكن، وهي ناشطة ألمانية بارزة في مجال حقوق المرأة، جعل يوم عالمي للمرأة، بحيث يتم الاحتفال به في جميع البلدان لدعم حقوق النساء والمطالبة بالمساواة.
ولم تحدد كلارا زيتكن تاريخاً معيناً في ذلك الوقت، لكن الفكرة لاقت تأييداً واسعاً، وأصبحت أساساً للاحتفال الذي تبنته الحركات النسائية في مختلف أنحاء العالم لاحقاً.
وكانت كلارا زيتكن من أقوى المدافعات عن حقوق المرأة، وعملت على تعزيز دور المرأة في السياسة والنقابات العمالية، وأسهمت في دفع قضية المساواة إلى مستوى عالمي.
وفي 9 آذار 1911، تم الاحتفال بأول يوم عالمي للمرأة في كل من النمسا، والدانمارك، وألمانيا، وسويسرا، حيث شارك فيه الرجال والنساء معاً للمرة الأولى، تعبيراً عن التضامن مع مطالب المرأة.
حريق نيويورك 1911.. الشرارة التي دفعت نحو التغيير
لم تتوقف المطالبات النسائية عند هذا الحد، ففي 25 آذار 1911، اندلع حريق مروع في أحد مصانع الملابس في نيويورك، أدى إلى مقتل أكثر من 140 عاملة، ما أشعل موجة غضب عارمة دفعت إلى مظاهرات حاشدة غيّرت الكثير من التشريعات العمالية، ليس فقط لصالح النساء، ولكن لصالح جميع العمال.
وفي 1914، نظّمت النساء الأوروبيات مسيرات مناهضة للحرب في آخر يوم أحد من شهر شباط، تزامناً مع احتجاجات النساء الروسيات اللواتي تظاهرن تحت شعار "من أجل الخبز والسلام"، في إشارة إلى معاناتهن في ظل الحرب ونقص الغذاء.
الأمم المتحدة تعترف رسمياً باليوم العالمي للمرأة (1975)
نتيجة لعقود من النضال النسوي حول العالم، قررت الأمم المتحدة عام 1975 تحديد يوم عالمي للمرأة، ودعت جميع الدول إلى الاحتفال بإنجازات المرأة وتعزيز المساواة. وبعد عامين، اعتمدت الأمم المتحدة رسمياً 8 آذار يوماً عالمياً للمرأة، ليصبح مناسبة سنوية للاعتراف بحقوق المرأة ودورها في المجتمع.
اليوم العالمي للمرأة.. بين الاحتفال والنضال المستمر
على الرغم من أن 8 آذار أصبح يوماً عالمياً للاحتفال بإنجازات المرأة، فإنه لا يزال يمثل يوماً للنضال ضد التمييز والعنف وعدم المساواة. ففي الوقت الذي تحققت فيه إنجازات كبيرة في بعض الدول، لا تزال النساء في العديد من المناطق حول العالم يعانين من التمييز، والاستغلال، والعنف، وانتهاك الحقوق الأساسية.