غزة- زمن FM
عبلة العلمي -لم يعد لدى الطالبة المتفوقة ملاك أبو مصطفى (18 عاماً) أمل في استكمال دراستها في ظل الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، والتي دمّرت الكوادر والبنية التحتية التعليمية، حيث تقول بأسف "لم يعد في غزة حياة، نحنُ جسدٌ بلا روح، فقد دُمِرت جامعتي بالكامل ".
كانت ملاك تطمح لإنهاء سنتها الدراسية في كلية الهندسة وتكنلوجيا المعلومات في جامعة الأزهر بمدينة غزة، ولكن حلمها تحطم بعد أن دمّر القصف الإسرائيلي هذه الجامعة وجامعات أخرى في القطاع .
فقدت ملاك عائلتها بالكامل في هذه الحرب، عائلتها التي كانت تساندها وتحلم بأن تصبح إبنتها مهندسة ذات شأن عظيم.
عندما اندلعت الحرب في السابع من أكتوبر 2023 كانت الجامعة قد فتحت أبوابها للتو، ولكن تواصل العدوان الإسرائيلي على القطاع أدى إلى استشهاد العديد من أساتذتها وصديقاتها في الجامعة. وفي الأخير، استسلمت ملاك لفكرة ضياع سنة من عمرها، قائلة " كان من المفروض أن نكون حاليا في الفصل الدراسي الثاني ".
كانت ملاك متفوقة وتُعدّ نفسها للحصول على درجة الامتياز." لكن كل ذلك تأجل إلى أجل غير مسمى..."، تتحسر الطالبة متنهدة.
الطالبة ملاك أبو مصطفى
حسب العديد من المنظمات الحقوقية الموجودة في القطاع، كان الإستهداف الإسرائيلي للمنشآت التعليمية ممنهجا وواضحا. في هذا الصدد، يؤكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن 5 من أصل 6 جامعات في قطاع غزة تم تدميرها بشكل كامل أو جزئي بفعل عمليات الاستهداف الإسرائيلي المتعمد للمنظومة التعليمية.
عمليات القصف استهدفت مباني جامعة الأزُهر والجامعة الإسلامية، قبل أن تمتد للجامعات الأخرى وقد تم إما تدميرها أو تحويلها لثكنات عسكرية مثلما حدث بالنسبة لجامعة الإسراء جنوب مدينة غزة.
يُفسّر الدكتور علي النجار، عميد المعاهد الأزهرية ودكتور في الجامعة الإسلامية بغزة أن "منظومة التعليم قد تدمرت بشكل كلي في العدوان الإسرائيلي على غزة، فقد دمّر الإحتلال العشرات من المدارس ونحو 5 جامعات في القطاع، أبرزها الجامعة الإسلامية وجامعة الأزهر وهما أكبر مؤسستين تعليميتين من جهة المساحة وعدد الأبنية". وكان المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم الفلسطينية في قطاع غزة، صادق خضور، أكّد في تصريح له في فبراير من هذا العام أن "النظام التعليمي في القطاع يعاني من انهيار كامل ويحتاج إلى سنوات حتى يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب الإسرائيلية على غزة".
الاحتلال الإسرائيلي هدم أحلام وطموحات الطلبة في قطاع غزة
في الخامس من أكتوبر سنة 2023 أي قبل يومين من بدء الحرب في قطاع غزة، قامت الطالبة ملك الداعور (21 سنة) بشراء الكتب، والقرطاسية اللازمة لبداية فصل دارسي جديد في جامعتها جامعة الأزهر _ غزة. رتّبت مكتبها ووضعت كتبها الجديدة وأقلامها الملونة. كل شيء كان جاهزا لتبدأ سنتها الدراسية الثالثة في اختصاص الحقوق. ولكنهت اضطرت لترك كل ذلك والرحيل، حيث دُمِرَ منزلها بالكامل وكذلك جامعتها.
الطالبة ملك الداعور
تتذكر ملك أحيانا حياتها الجامعية السابقة: "أتذكر محاضرات القانون الدولي العام ومحاضرات حقوق الإنسان". ويبدو لها أن ذلك ينتمي إلى ماض بعيد، إلا أنها ترفض أن تتخلى عن أحلامها، حيث تقول "لن أيأس ولن أتوقف بل سأكمل مسيرتي التعليمية مهما حصل وسأبني حلمي من تحت الركام. "
سارة أبو جلالة أيضا طالبة قانون حرمتها الحرب من إكمال دراستها. كان من المفروض أن تلتحق ببرنامج الماجستير في تخصص القانون الدولي العام في جامعة الأزهر بغزة، ولكنها بدلاً من ذلك وجدت نفسها تعيش في خيمة بعد أن تحول منزلها وجامعتها إلى ركام جرّاء الغارات الإسرائيلية، الأمر الذي جعلها تتسائل عما إذا كانت ستصبح محامية يوماً ما .
تقول سارة " تخرجت من الجامعة الإسلامية كلية الشريعة والقانون قبل عامين، وقمت بالالتحاق بكلية التربية قسم التأهيل التربوي وتخرجت العام الماضي ولم يتوقف لدي الشغف بالتعليم، فسجّلت في الماجستير في تخصص القانون الدولي العام، وقمت أيضا بتسجيل المزاولة لممارسة مهنة المحاماة لتمثيل المرأة الفلسطينية في المحاكم، ولكن الحرب أوقفت كل شيء."
تتذكر في يوم السابع من أكتوبر كيف استيقظت ولم تستطع الذهاب لجامعتها ولا رؤيتها مرة أخرى وتتحسر قائلة: " فقدتُ كوكبة من دكاترة القانون الذين علموني أشياء كثيرة واستفدت منهم في واقع تجربتي المهنية، ليصبح الحلم مجرد رماد".
حال علا العثامنة التي تبلغ من العمر20 عاماً ليس أفضل من حال سارة، فقد كانت تدرس في السنة الثالثة إختصاص تربية خاصة وإعادة تأهيل في جامعة الهلال. اختارت هذا التخصص حتى تساعد ذوي الاحتياجات الخاصة. بدأت هذه الحرب وكان قد بقي لها سنة تفصلها عن التخرج ليتحطّم حلمها علي شاكلة بيتها وجامعتها ." ببساطة توقفت كل أحلامنا بسبب هذه الحرب، وتشتتنا ونزحنا من سقف حجارة إلى سقف خيمة. "
في أسابيع العدوان الأولى، حاولت علا أن تواصل متابعة دروسها بمجهودها الخاص، لكنها سرعان ما أدركت أن العودة إلى مقاعد الدراسة أصبحت أمرا مستحيلا. كانت متفوقة بين زميلاتها وتَعِدُ نفسها وأهلها بالحصول على الدرجات العُليا، ومن ثم التقدم للحصول على الماجستير .
تقول " أنا أحب تخصصي كثيرا لأنني أساعد ذوي الاحتياجات الخاصة وطاقم الاسعافات ولكن الاحتلال الإسرائيلي هدم كل أحلامنا وأرجعنا إلى نقطة الصفر." فقدت علا مجموعة كبيرة من الذين كانوا يدرسون معها.
محت الحرب الإسرائيلية شغف وطموح الطلبة في قطاع غزة، ومحت أيضاً كل ما تبقى من مظاهر الحياة الطبيعية في القطاع الصغير المكتظ بالسكان وتسببت بمقتل آلاف الفلسطينيين.
وبالنسبة للطالبات مثل علا وسارة وملك وملاك، فإن المستقبل يُعدّ غامضا إذ لا يعرفن ما إذا كانت سنوات دراستهن ستعود عليهن بأي نفع أو ما إذا كان لا يزال لدى ما تبقى من الجامعة أي سجلات لوضعهن الأكاديمي.
من جهته، بيّن مدير مديرية التعليم في مدينة رفح، أحمد لافي، في تصريح له لموقع الجزيرة أنه " لا يمكن تصور ما سيكون عليه التعليم بعد الحرب، خاصة وأن جميع المدارس إمّا يشغلها النازحون، أو تعرضت للتدمير الكلي أو الجزئي جراء الاستهداف الإسرائيلي". ويرى لافي أنه "لا يمكن تخيّل السيناريوهات المتاحة لاحقاً لإنقاذ المسيرة التعليمية، بما فيها التعليم الالكتروني الذي يجده أمراً معقداً
للغاية في ظل الدمار الهائل على مستوى المنازل السكنية والمنشآت، وفي ظل عدم توفر الكهرباء وتردي خدمات الاتصالات والانترنت."
ويبلغ عدد الطالبات المسجلات بالجامعات في قطاع غزة 72241، حسب موقع وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، ومن أهم الاختصاصات التي تدرسن فيها هي الإعلام وبرمجة الكمبيوتر والطب والهندسة والمهن الطبية.
منظمات أممية: 625 ألف طالب في غزة محرومون من التعليم
أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أن جميع المدارس التابعة لها في قطاع غزة قد أغلقت بسبب الحرب، مبينة أن 300 ألف طفل قد حُرموا من التعليم لهذا السبب.
وأكد كل من الأونروا ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم (اليونسكو) ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) في بيان مشترك لهم بتاريخ 24/1/2024 بمناسبة اليوم العالمي للتعليم، أن أكثر من 625 ألف طالب قد حرموا من التعليم منذ بدء الحرب على غزة.
وأكدت المنظمات، أن الحرب أدت إلى فقدان 22 ألف مدرس وظائفهم في قطاع التعليم، في حين تضرر 75% من المباني المدرسية في القطاع، داعية إلى وقف الحرب حتى يتمكن الطلاب والمعلمون الفلسطينيون من العودة الآمنة إلى التعليم.
تم إنتاج هذا التقرير ضمن برنامج القادرات بدعم من الوكالة الفرنسية لتنمية الإعلامCFI وبتنفيذ من اذاعة نساء FM و حاضنة نساء الإعلامية. إن الآراء الواردة في هذا التقرير هي مسؤولية المنتجة، ولا تعبر عن آراء وموقف الوكالة الفرنسية لتنمية الإعلام CFI أو الجهات المانحة لها أو نساء إف إم/حاضنة نساء الإعلامية.