جمعية العودة تصدر ورقة حقائق حول... واقع السلامة والصحة المهنية في قطاع غزة

غزة - زمن FM

أصدرت جمعية العودة الصحية والمجتمعية ورقة حقائق حول... واقع السلامة والصحة المهنية في قطاع غزة 

فيما يلي نص ورقة الحقائق 

واقع السلامة والصحة المهنية في قطاع غزة

إعداد: جمعية العودة الصحية والمجتمعية بالشراكة مع: وزارة العمل- الإدارة العامة للتفتيش وحماية العمل

أغسطس 2023

1.تقديم:

تكفل التشريعات في فلسطين وشتى أنحاء العالم، حق العمال في السلامة والصحة المهنية، لما لها من أهمية كبيرة، سواءً على مستوى العمال أنفسهم أو المنظمات وأصحاب العمل والمجتمع بشكل عام.

ويُقصد بالسلامة والصحة المهنية، مجموعة الإجراءات الوقائية والتصحيحية المتعلقة بتوفير بيئة عمل آمنة وظروف وشروط عمل مثالية ولائقة للعاملين/ات في القطاعات الاقتصادية المختلفة، بغرض حمايتهم ووقايتهم من الحوادث والأضرار الصحية الناتجة عن العمل أو المتصلة به أو التي تقع بسببه.

إن التمتع بالحق في السلامة والصحة المهنية أمر في غاية الأهمية، لأنه يعني حماية العمال من الإصابات والأمراض المهنية، وتوفير بيئة عمل آمنة وصحية، وتعزيز الإنتاجية والجودة، والامتثال للقوانين واللوائح، وتعزيز الاستدامة والتطوير، والتقليل من التكاليف المباشرة المرتبطة بحوادث وإصابات العمل والتأمين ضد إصابات العمل، والتكاليف غير المباشرة المرتبطة بوقف عجلة الإنتاج، وانقطاع العمال عن العمل، وسمعة المؤسسة.

يبلـغ عـدد العـاملين/ات فـي فلسـطين نحـو 1,133 مليـون عامـل/ة، منهم حــوالي 862 ألـــف مستخدم/ة بـأجر. منهم 228 ألف منهم يعمل فــي قطــاع غــزة، منهم 140 ألف يعملون في القطاع الخاص، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في أبريل 2023.

2.تأصيل قانوني:

تعتبر منظمة العمل الدولية الجهة المسئولة عن المساهمة في إعداد معايير العمل الدولية، ومن ذلك اتفاقية السلامة والصحة المهنية رقم (155)، التي تعد وثيقة هامة تهدف إلى تحقيق بيئة عمل آمنة وصحية للعاملين/ات في مختلف القطاعات والصناعات. وقد تم تبني هذه الاتفاقية في 22 يونيو 1981.

وتتضمن الاتفاقية مجموعة من الأحكام والمبادئ التوجيهية، فتنص على ضرورة وضع قوانين ولوائح تنظم مجال السلامة والصحة المهنية، وتنفيذ هذه التشريعات بفعالية، كما يجب على الحكومات وأصحاب العمل والعمال تحمل المسئولية المشتركة لتحقيق وصون بيئة عمل آمنة وصحية. ويجب على الحكومات تطبيق سياسات وبرامج لتحسين السلامة والصحة المهنية، كما يجب على أصحاب العمل توفير مكان العمل وفق الاشتراطات التي ينص عليها القانون وتوفير أدوات الحماية الشخصية الملائمة للعاملين/ات.

كما تنص الاتفاقية على وجوب تشجيع الحكومات وأصحاب العمل والعمال على التشاور والتعاون في تطوير وتنفيذ سياسات السلامة والصحة المهنية، والتعاون بين الحكومات وأصحاب العمل لتوفير التعليم والتدريب المناسبين للعمال فيما يتعلق بعلوم وأنظمة السلامة والصحة المهنية، بحيث يتمكنون من التعامل مع المخاطر المهنية بفعالية.

وتحدد الاتفاقية بشكل خاص حقوق العمال المعرضين/ات لمخاطر خاصة مثل العمال في الأعمال الخطرة الصناعات الخطيرة، واتخاذ التدابير اللازمة للوقاية منها. ويشمل ذلك توفير معلومات وتدابير للحد من المخاطر ومنع وقوع حوادث العمل، ويجب إجراء تفتيش ورصد منتظمين لمكان العمل للتحقق من التزام أصحاب العمل بمتطلبات السلامة والصحة المهنية.

وبالنظر للإطار القانوني الناظم للسلامة والصحة المهنية، في فلسطين، تتعدد القوانين واللوائح والأنظمة ذات العلاقة، لكن يتصدر قانون العمل الفلسطيني رقم (7) لعام 2000 القائمة، وتعتبر وزارة العمل الجهة المخولة بإعداد ومتابعة ومراقبة تنفيذ قانون العمل وتشريعاته بما فيه ملف السلامة والصحة المهنية وبيئة العمل.

ويعرف قانون العمل الفلسطيني في المادة رقم (1) منه إصابة العمل على أنها الحادث الذي يقع للعامل أثناء العمل أو بسببه أو أثناء ذهابه لمباشرة عمله أو عودته منه، ويعتبر في حكم ذلك الإصابة بأحد أمراض المهنة التي يحددها النظام.

وتنص المواد (90)، (91)، (92) من القانون أن يصدر مجلس الوزراء الأنظمة الخاصة بالسلامة والصحة المهنية وبيئة العمل بما يضمن توفير وسائل الحماية والوقاية الشخصية للعمال من أخطار العمل وأمراض المهنة، وتوفير الشروط الصحية اللازمة في أماكن العمل، ووسائل الإسعاف الطبي للعمال في المنشأة، وضرورة الفحص الطبي الدوري للعمال. وألزم القانون المنشآت بإصدار التعليمات الخاصة بالسلامة والصحة المهنية ولائحة الجزاءات الخاصة، ولا يجوز لأية منشأة تحميل العامل/ة أية نفقات أو اقتطاعات من أجره لقاء توفير شروط السلامة والصحة المهنية.

وتحدد المواد من 107 وحتى 115، صلاحيات هيئة تفتيش العمل، وهي عدد ملائم من المفتشين والمؤهلين/ات أكاديمياً ومهنياً، في متابعة تطبيق أحكام هذا القانون والأنظمة الصادرة بمقتضاه وشروط وظروف العمل المختصة بأوجه النقص والمخالفات التي يتم اكتشافها، كما تنظم علاقة الهيئة بأصحاب العمل، وتعطيها صلاحيات تتراوح بين إسداء النصح والإرشاد، أو توجيه تنبيه شفهي لإزالة المخالفة خلال مدة محددة، وانتهاء بالتوصية إلى هيئة التفتيش بتوجيه إنذار خطي بشأن المخالفة، وصولاً إلى صلاحيات الضبطية القضائية.

إلى جانب قانون العمل، يوجد قوانين أخرى تشدد على توفير ظروف عمل آمنة من بينها: قانون الصحة العامة رقم (20) لعام 2004، وقانون الدفاع المدني رقم (3) لعام 1998، وقرارات ومراسيم وزارية أخرى تبين المعايير والشروط الصحية المتعلقة بالسلامة المهنية في أماكن العمل المختلفة.

3.الواقع والإحصائيات:

تقوم وزارة العمل بقطاع غزة بضبط العلاقة بين طرفي الإنتاج، والتحقق من التزامهما بشروط وظروف العمل التي ينص عليها القانون الفلسطيني وصولاً لبيئة عمل آمنة ولائقة وخالية من مسببات الحوادث والمخاطر المهنية من خلال خمسة أقسام تفتيش موزعة على محافظات قطاع غزة، ويعمل بها 15 مفتشًا.

كما تقوم الوزارة بدور توعوي من خلال دائرة التوعية والإرشاد التي تتنوع أنشطتها بين تنفيذ لقاءات توعية وإرشاد تستهدف طرفي الإنتاج لتعزيز ثقافة السلامة والصحة المهنية في بيئة العمل والمشاركة في ورش العمل والمؤتمرات العلمية وإعداد الأوراق العلمية والدراسات ذات العلاقة، وتصميم ونشر مواد توعوية ورقية وإلكترونية، والمشاركة في المنافذ الإعلامية المسموعة والمرئية.

ويتعين على مفتشي العمل، إجراء زيارات الحصر: بغرض حصر المنشآت الجديدة، والزيارات التفتيشية الأولية: بغرض التحقق من استيفاء إجراءات السلامة والصحة المهنية وتحرير محضر ضبط بحق المخالفين، ويتبعها إجراءات قانونية بإعطاء فترة زمنية ملائمة لعمل الإصحاحات المطلوبة، إلى قرار إيقاف آلة أو منشأة، وزيارات متابعة تصويب المنشآت لشروط وظروف العمل وفق فترة الإصحاح المحددة مسبقًا، وزيارات متابعة الشكاوى العمالية، وزيارات التحقيق في حوادث العمل.

وتقف جملة من المعيقات أمام الدور المنوط بوزارة العمل في قطاع غزة، من بينها هذه الفجوة الكبيرة بين عدد المنشآت العاملة عدد مفتشي العمل، مما يعني صعوبة زيارة كافة المنشآت بشكل دوري، حيث بلغ عدد المفتشين العاملين 17، فيما بلغ عدد المنشآت العاملة 36704 منشأة، ونفذت الوزارة 6029 زيارة، حتى نهاية يونيو من هذا العام، مقارنة بـ 15680 عام 2022.

ويشكل ضعف الامكانيات اللوجستية عائقًا آخر أمام الدور الرقابي على منشآت العمل، فوسائل النقل التابعة للوزارة قليلة والسيارات غير متوفرة في كل المديريات، وبالتالي يلجأ المفتشون للمواصلات العامة، كما أن وسائل التواصل غير متاحة دائمًا لإجراء الاتصالات اللازمة لإتمام العمل.

وتقول الوزارة في مقابلة أجريت لإعداد هذه الورقة إن حصار الاحتلال الإسرائيلي للقطاع يحول دون إدخال الكثير من المعدات اللازمة لقياس المخاطر مثل المختبرات المتحركة، وبالتالي تبقى أعداد الأدوات غير متناسبة مع أعداد المفتشين، ومع احتياجات سوق العمل.

كما يعرقل الانقسام السياسي الفلسطيني التعاون مع المؤسسات المانحة، ويفرض المانحون قيودًا على التعامل مع وزارة العمل بالقطاع، مما يجعل حصولها على أدوات السلامة والصحة المهنية، ووسائل الحماية الشخصية، ونشرات التوعية، ومشاركتها في التدريبات وفرص تبادل الخبرات، صعبًا للغاية.

وتقدر الوزارة حاجة طواقم المفتشين لأربع إلى ست دورات متقدمة سنويًا، لكنها تقول إن المفتشين لا يحظون بالفرص التدريبية اللازمة لبناء قدراتهم في مجال علوم الصحة والسلامة المهنية، ومواكبة كل جديد في مجال إجراء زيارات تفتيشية متكاملة.

وتحصر ورقة قانونية صادرة عن مركز الديمقراطية وحقوق العاملين عام 2021 أسباب إصابات العمل وأمراض المهنة في ثلاثة مسببات: المعدات التقنية في مكان العمل، وظروف العمل، ومهارة العامل/ة وخبرته.

كما تلعب قلة وعي أطراف الإنتاج بقانون العمل الفلسطيني وأهمية اشتراطات السلامة والصحة المهنية، وعدم تضافر الجهود الحكومية وغير الحكومية من اتحادات ونقابات عمالية وغرف صناعية في جهود رفع الوعي، دورًا، بحسب تقرير إنجازات وزارة العمل للربع الأول من العام 2023.

ويتهاون العمال في اتباع احتياطات السلامة، ويتهاون المشغلون/ات في تطبيق معايير السلامة والصحة المهنية في أماكن العمل، مثل توفير وسائل الوقاية الشخصية للعاملين، وغياب وسائل وإجراءات السلامة والصحة المهنية التي حددت بتعليمات وزير العمل رقم 1 لعام 2005، وعدم توفر وسائل الإسعاف الطبي وعدم إجراء الفحوصات الطبية الابتدائية والدورية بموجب قرار مجلس الوزراء الفلسطيني رقم 24 لعام 2003، وقرار رقم 22 لعام 2003.

ويترتب على غياب وعي العامل/ة بحقه الذي كفله له قانون العمل، وشعوره بالخجل أو الخوف من المطالبة به، عدم دقة أعداد إصابات العمل المسجلة في قواعد بيانات وزارة العمل، وميل العامل للحل بالتراضي، وقد بلغت إصابات العمل للعام 2020، 80 إصابة، وعدد الشكاوى العمالية المقدمة، 36 شكوى، والعام 2021، 111 إصابة، و11 شكوى، والعام 2022، 101 إصابة، و5 شكاوى.

ولا يعي رب العمل أهمية التأمين على العمال ضد إصابات العمل ودوره في تقليل المخاطر الاقتصادية عليه وعلى المنشأة، متعذرًا بالظروف الاقتصادية المتردية بالفعل في القطاع، ومخالفًا للمادة 116 من قانون العمل، علمًا أن عدد الشركات المؤمنة ضد إصابات العمل والمسجلة في نظام سوق العمل الفلسطيني هذا العام، حتى نهاية يونيو 369، وغير المؤمنة 2094، أما عام 2022، فكانت المؤمنة 917، وغير المؤمنة 4389.

جنبًا إلى دور وزارة العمل، والمشغلين/ات، والعمال، يقع على عاتق النقابات العمالية أيضًا، مسئولية تمتع العمال بالحق في السلامة المهنية، من خلال تثقيفهم وتوعيتهم، عبر كل الأنشطة الممكنة سواء كانت إصدار المطبوعات، أو باللقاءات الوجاهية، أو عبر وسائل الإعلام، وغيرها

ليس هذا فحسب، فالنقابات تسعى أيضًا من خلال الحوار والتفاوض مع المشغلين/ات لتحسين شروط وظروف العمل واتباع إجراءات السلامة المهنية، وتوفير الأدوات اللازمة للعمال، ومساندتهم للمطالبة بحقوقهم؛ لكن النقابات تعيش اليوم حالة صعبة في ظل الانقسام السياسي الفلسطيني، وتبعات حصار قطاع غزة منذ عام 2007، ثم جائحة كورونا، وما أفرزته جميع هذه الأزمات من ارتفاع في مستويات البطالة بلغ خلال الربع الثاني من العام الجاري 46٪ في قطاع غزة مقارنة بـ 13٪ في الضفة الغربية.

أيضًا تواجه النقابات عجزًا وصعوبة بالغة في توفير التمويل اللازم لتنفيذ الأنشطة التوعوية التي لم تعد تهم السواد الأعظم من العمال في ظل ظروف البطالة وقلة فرص العمل، ناهيك عن غياب سبل الحوار والتفاوض مع أصحاب العمل.

4.توصيات:

إن السعي لتحقيق بيئة عمل صحية وآمنة للأفراد من خلال تعزيز إجراءات السلامة والصحة المهنية وتحسين جودة حياتهم ورفاهيتهم، يعني نيلهم لحقهم في الصحة، وزيادة الإنتاجية والتنمية المستدامة، ويمكن تحقيق ذلك من خلال جملة من التوصيات والإجراءات:

أ‌.تعزيز التعاون بين الجهات المعنية: تعزيز التعاون بين وزارة العمل كجهة رقابية والهيئات النقابية وأصحاب العمل والعمال من أجل تكاملية العمل، وتكثيف جهود التوعية، والمناصرة من أجل تسهيل وصول الأدوات اللازمة للرقابة والتفتيش في ظل حصار القطاع.

ب‌.تطوير القوانين والتشريعات وضمان تنفيذها: تطوير وتعزيز القوانين والأنظمة المتعلقة بالسلامة والصحة المهنية، مع ضمان تطبيقها بشكل فعال، ومن ذلك العقوبة المفروضة عند عدم التزام أصحاب العمل بشروط السلامة والصحة المهنية.

ت‌.التفتيش والرقابة: تكثيف جهود التفتيش والرقابة لضمان تطبيق تدابير اشتراطات السلامة والصحة المهنية في بيئة العمل، والاهتمام بزيادة عدد مفتشي العمل، وتطويرهم، لضمان تناسب أعدادهم مع المنشآت، وإمكانياتهم مع الاحتياجات.

ث‌. تفعيل الدور النقابي: من خلال البحث في سبل الاستدامة، وفتح أفق الحوار مع أصحاب العمل، وتفعيل العمل التوعوي التطوعي، ورفع حساسية العمال تجاه قضايا السلامة والصحة المهنية.

ج‌.تعزيز ثقافة السلامة والصحة المهنية: توعية أصحاب العمل والعمال بأهمية السلامة والصحة المهنية والمخاطر المحتملة في مكان العمل، ويمكن تقديم دورات تثقيفية وورش عمل لنشر المعلومات حول التدابير والسلوكيات الآمنة، مع التدريب المستمر للعمال بشأن كيفية التعامل مع المخاطر المهنية واستخدام المعدات بشكل آمن، وتوفير المعدات الواقية الشخصية والأدوات المناسبة للعمال، والمعلومات حول كيفية استخدامها.

ح‌.تعيين موظف سلامة وصحة مهنية مقيم: إلزام أصحاب العمل في المنشآت الكبيرة والخطرة بتوظيف مشرف سلامة وصحة مهنية مقيم يتولى مسئولية تنفيذ كافة اشتراطات السلامة والصحة المهنية داخل المنشأة.

خ‌.تعزيز البحث وتشجيع المشاركة: يجب دعم الأبحاث والتطوير في مجال السلامة والصحة المهنية للوصول إلى تقنيات وحلول جديدة تسهم في تحسين بيئة العمل، وتشجيع العمال على المشاركة في تطوير سياسات وإجراءات السلامة والصحة المهنية من خلال التشاور مع أصحاب