أزمة الدجاج اللاحم في قطاع غزة بداية شهر رمضان الأسباب والحلول

أزمة الدجاج اللاحم في قطاع غزة بداية شهر رمضان الأسباب والحلول


 بقلم: المحلل الاقتصادي محمد نصار

يعتبر الدجاج اللاحم مكوناً أساسياً لمعظم الأطباق الشعبية في قطاع غزة، وذلك نظراً لغلاء أسعار اللحوم الحمراء، وتردى الأوضاع الاقتصادية لمعظم سكان قطاع غزة، حيث يبلغ متوسط استهلاك قطاع غزة من الدجاج اللاحم حوالي ٢.٥ مليون دجاجة شهرياً، ويتضاعف هذا الرقم في شهر رمضان المبارك، حيث تذهب نصف كمية الدجاج اللاحم المستهلك في قطاع غزة إلى المطاعم، وتعتبر سلعة الدجاج اللاحم سلعة حساسة للطلب ولمدخلات الإنتاج.

في الأيام الأخيرة شهد سوق الدجاج اللاحم نقصاً في المعروض، حيث ارتفع سعر كليو الدجاج اللاحم ريش من 11 شيكل إلى 17 شيكل بنسبة زيادة وصلت 54.5%، مما دفع الكثير من المواطنين إلى التعبير عن غضبهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والدعوة لحملات لمقاطعة شراء الدجاج اللاحم، وإعلان بعض المحلات الكبرى عدم بيع هذه السلعة طالما ظل سعرها مرتفعاً، وقد ترافق هذا الغلاء في السعر مع بداية شهر رمضان المبارك، وسنستعرض في هذا المقال أسباب غلاء أسعار الدجاج اللاحم، والإجراءات الحكومية التي تم اتخاذها، ومدى كفاية هذه الإجراءات ومساهمتها في استقرار سوق الدجاج اللاحم وعودة إلى الأسعار إلى وضعها الطبيعي.

بدايةً تعود الأزمة الحالية في سوق الدجاج اللاحم بشكل أساسي إلى انتشار مرض انفلونزا الطيور بين أمهات البيض المخصب في دولة الاحتلال وبعض الدول الأوروبية، ووفق ما صرح به وكيل وزارة الزراعة الدكتور أيمن اليازوري في مؤتمر صحفي فإن "قطاع غزة يستورد البيض المخصب من الخارج، لأن مزارع أمهات البيض المخصب للدجاج اللاحم، تتطلب مناطق معزولة، ودرجة عالية من التعقيم ومساحات واسعة وهذا الأمر لا يتوفر في قطاع غزة، حيث يستورد القطاع حوالي 3 مليون بيضة مخصبة شهرياً معظمها من دول أوروبية، ودول أمريكا الجنوبية، وجزء يتم استيراده من دولة الاحتلال، وذلك لتغطية احتياجات قطاع غزة الشهرية من الدجاج اللاحم، ونتيجة لانتشار فيروس انفلونزا الطيور في البلدان المنتجة لهذا البيض في يناير وفبراير الماضي، تم اعدام مئات الآلاف من أمهات البيض في هذه الدول، مما انعكس سلباً على كمية البيض المخصب المتاح للتصدير من هذه الدول، وحدثت هناك ندرة في الصوص المنتج".

وقد أوضح الوكيل بأنه عدد البيض المخصب الذي دخل إلى قطاع غزة في يناير بلغ حوالي 2.2 مليون بيضة مخصبة بعجز بلغ 26.7%، وفي فبراير حوالي 2 مليون بيضة مخصبة أي بعجز بلغ حوالي 33.3%، وفي مارس نتيجة لاتخاذ قرار من الحكومة بتعزيز إدخال البيض المخصب من جمهورية مصر العربية بلغ إجمالي البيض المخصب 3.7 مليون بيضة مخصبة.

ومن جانب آخر فإن الحرب الروسية الأوكرانية ألقت بظلالها على ارتفاع أسعار الشحن البحري وارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج، خصوصاً سعر الصوص وسعر الأعلاف، مما أدى إلى خوف المزارعين من تربية الدجاج اللاحم، وتقليل كمية الدجاج في المزارع، حيث ارتفع سعر الصوص من 2.5 شيكل إلى 5 شواكل، وارتفع سعر العلف بنسبة تتراوح بين 40% و45%، وارتفع سعر الأدوية بنسبة تتراوح بين 20-و30%، وسعر نجارة المزارع ارتفع بنسبة 100%، وبالتالي أدى قلة الصوص المتوفر وارتفاع تكاليف الإنتاج إلى ارتفاع أسعار الدجاج اللاحم في الأسواق.

ومن خلال الأرقام التي عرضتها وزارة الزراعة سيتم طرح حوالي 1.5 مليون دجاجة في الأسواق بعد العاشر من رمضان، ولكننا نرى أن هذه الكمية لن تغطي أكثر من 50% من احتياج السوق من الدجاج اللاحم نظراً لأن استهلاك قطاع غزة من الدجاج يتضاعف في شهر رمضان المبارك.

ومن الملاحظ أن سكان القطاع اعتادوا على ارتفاع أسعار الدجاج اللاحم سنوياً مع اقتراب شهر رمضان، أو في شهر رمضان، نظراً لزيادة الطلب أكثر مما هو عليه في الأيام العادية، بفعل تنظيم الجمعيات والمبادرات الفردية لإفطارات جماعية أو توزيع وجبات غذائية للأسر الفقيرة وكذلك جرت العادة بأن تكون هناك اجتماعات عائلية في الشهر الفضيل، غير أنّ الارتفاع هذه المرة جاء مبكراً قبل قرابة شهر.

وتظل الإجراءات التي تتخذها واتخذتها الجهات الحكومية محدودة، حيث تتمثل بإدخال الدجاج المبرد أو المجمد أو زيادة إدخال البيض المخصب لرفع الكميات المتوافرة في الأسواق، وبالتالي تخفيض سعر الدجاج اللاحم، أو ملاحقة التجار المحتكرين لهذه السلعة في أثناء غلاء الأسعار، حيث جاء في توضيح نشره اتحاد مربي الدجاج اللاحم بأن "أغلب الدجاج الذي سيتم انتاجه في شهر رمضان، وبما نسبته 80% تقريباً موجود فقط لدى تجار الأعلاف وبعض أصحاب الفقاسات وبعض كبار موزعي الدواجن، حيث تم حرمان المزارع المغلوب على أمره من كميات الصيصان المراد إنتاجها في شهر رمضان"، وهذا يعني أن هناك تلاعباً واضحاً من قبل كبار التجار في سوق الدجاج اللاحم.

ولعل الإجراءات الحكومية التي اتخذت مهمة جداً لعودة الاستقرار لسوق الدجاج اللاحم، ولكنها لن تساهم في عودة سعر كيلو الدجاج اللاحم إلى دون الـ 11 شيكل، حيث يقدر رئيس اتحاد مربي الدجاج اللاحم بأن "التكلفة الإنتاجية للكيلوغرام الواحد حالياً يصل إلى 10 شواكل على المربي"، وبالتالي لن تكون متاحة هذه السلعة للمواطن بسعر أقل من 12 شيكل في أحسن الأحوال.

ونرى أن الإجراءات التي اتخذتها الجهات الحكومية في قطاع غزة جاءت للحد من أزمة ارتفاع سعر الدجاج اللاحم، ولكنها لم تعالج المشكلة قبل وقوعها، مع أن البيانات والأرقام كانت تعطي مؤشرات واضحة على وقوع الأزمة، وأن هذه الأزمة متكررة، لذا على الجهات الحكومية القيام بوضع سياسات حكومية تساهم في استقرار سوق هذه السلعة من خلال أربع مسارات، المسار الأول يضمن ضبط كميات الدجاج اللاحم في السوق بأسعار معقولة، وضبط كميات البديل من الدجاج المجمد والمبرد، والمسار الثاني يمنع احتكار كبار التجار لهذه السلعة في أوقات الأزمات، والمسار الثالث يساهم في حماية صغار المزارعين وتعويضهم في أوقات الأزمات، والمسار الرابع يدعم وجود سياسات تضمن الإفصاح الدوري عن البيانات الخاصة بهذه السلعة.